فلسفة التسامح

التسامح لفظ راق لشعور يرسل إشارة للطرف الآخر عن فرصة متاحة لمراجعة حساباته وباعث إيجابي للمُبادئ للبسط والاستهواء على كوامن الطرف الآخر سيّما وأن دوافعه تحمل طابعا ذا توجيه رباني وتوجه إنساني وهي لغة أبلغ في مدلولاتها من لغات عدة إن اقترنت بالصدق والوفاء ومعانيها أبلغ وصفاً إذا ما حُلّت قيود خطام الدوافع النفسية لتغمر حظوظ النفس في بحر إيجابيات الآخر فينال بذلك شرف الظفر بكنوز الخيرية الموعودة , وشرط آخر أن من يمتلك قوة الشجاعة الأدبية المصحوبة بعنصر المبادءة الذاتية يستطيع أن يبسط على أكبر مساحة من عقل وقلب خصمه ويتكيف في توجيه مؤشر أهدافه نحو المسار الصحيح ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) ( ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال : تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك .. ) الطبراني

فلا ينبغي للمسامح أن يظل ممسكاً بخطام هفوات خصمه يعبث بخطوات سيره كلما رآه انطلق متحرراً أعاده لحالته الإكتئابية ابتزازاً, واستفزه لماضية استفزازاً, لا بل : اذهبوا فأنتم الطلقاء مبدأ ينم عن إخلاء سبيله ويكله إلى نفسه فلا يبقى له عليه منّة , ومنه مصلحة يلوي بها عنقه ولا مادة يُتلاعب بها ليعيش ذليلاً أو يظل تابعاً للمُسامح , بل كأنه لم يكن بينه وبينه شيء فيؤسسا لحياتهما صفحة مضيئة لا يُسمح تكديرها باجترار إليها شيئاً من لوثات الماضي , وهذه السمة الأبرز التي تميز صدق المسامح من غيره وتعكس قوة قدرته على تجاوز مشاعره السلبية حينما يسيء الآخرون التصرف بحقة .

فليتنا نفهم  طبيعة دواخلنا حتى لا نقع البتة في الهجران والخصام ,وإن حدث كان الاستعداد النفسي حاضراً يسابقنا بتجرد لتفهم الموقف وما يفكر به الآخر نحونا وما خلّفناه بطباعنا من صورة ذهنية عن ذواتنا انطبعت بدورها في تصوراته عنا وأسست للحكم علينا بسوء فعالنا ,فطال زمن المعاناة وتأخرت لحظات الوداد والصفاء وازداد الشعور بالتأذي , وهنا استمع في هدوء وسكون إلى صمتك وهو يناديك: إلى متى .. ؟وكيف لك أن تتوقف عن هذا الشعور ؟ لماذا لا تُقدّر قيمة التسامح وتقدم عليه ؟ ربما وجدت الإجابة تتسلل إليك من دواخلك باحتساب عوامل أخرى - صورة من استعراض جاهليتك ! –

إذن فتجرد واحتسب يتحطم أمامك كل ما تظنه عقبة مانعة ,غير إنْ ظلّت نظرتك المقدسة لبدء نقطة الخصام سداً منيعاً مانعاً سيصعب معها تجاوزها للتسامح , وبهذا تجلب الضر لنفسك أكثر من أن تحقق لها مصلحة بطول الخصام والتدابر والهجر بينما الآخر يعيش هانئاً لا يكترث بما يعلق بذاتك من ضرر أنت تتسبب فيه ! فأي ميزان تقيس به مصلحتك من تأجيل التسامح سوى اجتذاب مزيد تعقيد للحالة الاكتئابية التي تعانيها مؤجلة الاستشفاء!!.

فهلّا أدركنا أن ذواتنا بحاجة إلى مزيد من الحب والتقدير والإعزاز بما يضمن لها أن تعيش وتتعايش بعزة وكرامة في حدود حريتها المناطة لا المتعدية, لا أن تظل مكبلة حبيسة مشاعر الماضي السلبية والمواقف العارضة المؤثرة المفتقرة  لمؤثرات الحياة الهانئة .

إن من فلسفة التسامح أن لا تطيل المكث بين جدران مشاعرك السلبية عن ماضيك فتعيش في جمود وتفكر برواسب جاهليتك دون قيود , ومَن حولك ينهض في صعود ويتجاوز المعهود ويرتقي سلّم الحياة قائداً لا مقود .. مع من حوله سمح ودود وصفح جميل .. والغفران مع الغضب ومع الجهل الحلم ومع الظلم العفو ومع كل من يُغضب ويجهل ويظلم تتقن فن العدل والعدالة والتغافر والتغافل  ( وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) الآية. وقد قيل أن التسامح هو أرقى أنواع النسيان فأن تُسامح هو أن تتناس الماضي إن لم تنسه وإياك ورغبة الإرجاع فتتقيأ ماضيك!!

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية