هل تنجح تركيا في الوساطة لإيقاف الحرب في اليمن؟

انعقد مؤتمر اسطنبول السادس للوساطة في 31 أكتوبر، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو وغيرهم من الوزراء والسفراء وصانعي السياسات والدبلوماسيين وممثلين عن العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية.

في كلمته الافتتاحية، أكد تشاووش أوغلو على أهمية الوساطة كأداة حاسمة في معالجة النزاعات الجارية في جميع أنحاء العالم. وقال "الحاجة إلى وساطة فعالة أكبر من أي وقت مضى؛ لقد أصبحت الدبلوماسية الوقائية وحل النزاعات أكثر أهمية".

كصحفي يمني، كانت اليمن تشغل تفكيري، وكنت أفكر في كيفية أن تقوم الوساطة في إنهاء الحرب في اليمن أو على الأقل المساعدة في الحد من النزاع في بلد يعاني من أشد أزمة إنسانية في العالم. وأثناء ذلك تذكرت التجارب السيئة لليمن في موضوع الوساطة خلال العقدين الأخيرين.

فشل كبير

في الواقع، فشلت كل من قطر والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي عدة مرات في التوسط في عدة صراعات في اليمن منذ عام 2004. بين 2004 و 2009، خاض الحوثيون ست جولات من الحرب ضد الحكومة اليمنية، خلال فترة الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح.

في يونيو 2007، أسفرت جهود الوساطة القطرية عن اتفاق مشترك لوقف إطلاق النار، والذي انهار بعد بضعة أشهر فقط. قدم اتفاق الدوحة في فبراير 2008 تصوراً لحل أكثر شمولية للنزاع، شريطة أن تتعاون الحكومة اليمنية في إطلاق سراح السجناء، ومنح العفو العام وإعادة بناء المناطق التي مزقتها الحربـ، وتقديم منحة لإعادة الإعمار بقيمة 500 مليون دولار.

ومع ذلك، فقد انتهى الاتفاق في مايو 2009 عندما أعلن صالح فشل الوساطة القطرية بسبب الخلافات حول صرف أموال إعادة الإعمار. ثم سحبت قطر استثماراتها الموعودة واستؤنف القتال مباشرة. انتهى هذا الصراع بعد التدخل العسكري المباشر للمملكة العربية السعودية، وأعلنت الحكومة اليمنية وقف إطلاق النار في عام 2010.

في عام 2011، عندما وصل الربيع العربي إلى اليمن، خافت دول مجلس التعاون الخليجي من تصاعد العنف في جوارها اليمني المباشر، فقامت بالوساطة، وأدت إلى اقتراح المبادرة الخليجية التي طالبت صالح بالتنحي في مقابل للحصانة. كما تصورت إنشاء حكومة وحدة وطنية مؤلفة من حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة.

في نوفمبر 2011، وقعت الحكومة وأحزاب المعارضة على الاتفاقية التي تقودها الأمم المتحدة بشأن الآلية التنفيذية لعملية الانتقال في اليمن، والتي وضعت نائب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في السلطة كرئيس مؤقت. كما تضمنت تدابير بشأن الإصلاح الأمني ​​والعدالة الانتقالية وأنشأت مؤتمر الحوار الوطني.

بعد انهيار مؤتمر الحوار الوطني، الذي رفضه الحوثيون والحراك الجنوبي، تدهور الوضع الأمني ​​بسرعة؛ في أوائل سبتمبر 2014، تحالف الرئيس السابق صالح مع الحوثيين وتمكنوا من السيطرة على صنعاء.

كمحاولة أخيرة لوقف التطورات على الأرض، توسطت الأمم المتحدة بقيادة المبعوث الخاص جمال بن عمر في اتفاقية السلم والشراكة الوطنية بين هادي والحوثيين، والتي بدورها لم تنفذ نهائياً.

زاد التدخل العسكري السعودي في مارس 2015 من تعقيد أي جهود وساطة محتملة. وفي أبريل 2015، عينت الأمم المتحدة مبعوثاً جديداً هو "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" ليحل محل بن عمر.

كانت مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة الجديد هي إقناع الأطراف المتحاربة باستئناف العملية السياسية وفقًا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، لكن الحوثيين رفضوا هذه المحاولة. شهدت ولاية ولد الشيخ خمسة اتفاقيات وقف إطلاق النار قصيرة الأمد وصفقة تبادل للأسرى.

لم تسفر أربع جولات منفصلة من محادثات الكويت في عامي 2015 و2016 عن أي نتائج ملموسة. بعد الجولات الأخيرة من المحادثات في الكويت في أغسطس 2016، رفض الحوثيون المشاركة في أي جهود وساطة لاحقة لمدة عامين.

في سبتمبر 2018، انهارت محادثات السلام المزمع قيامها في سويسرا بسبب رفض وفد الحوثيين الحضور، بحجة أن التحالف السعودي منع الوفد من المشاركة في المحادثات.

ثم في ديسمبر 2018، وبعد توقف دام عامين، بدأ المبعوث الخاص الثالث للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، جولة جديدة من محادثات السلام في السويد، والتي لا تزال قائمة على قرار الأمم المتحدة رقم 2216.

وقعت الحكومة اليمنية والحوثيون اتفاقية استكهولم، التي تتألف من اتفاقات لتبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الساحلية، وإنشاء ممرات إنسانية في تعز، وتسليم موانئ البحر الأحمر الثلاثة - الحديدة والسليف ورأس عيسى - إلى الأمم المتحدة للتحقيق والتفتيش في اليمن. اعتبارًا من مايو 2019، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات مهمة نحو التنفيذ.

ما التالي؟

هذه الذكريات السيئة لأحداث الوساطة في اليمن جعلتني أشعر بالاكتئاب واليأس، وعندما أدركت أنني ما زلت داخل قاعة المؤتمرات، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي خطابه قائلاً: "لا يمكن للوساطة انتظار هدوء العمليات العسكرية أو وصول طلب المساعدة من أحد. فهناك حاجة للوساطة في جميع مراحل عمليات السلام، ابتداءً من الوقاية ثم حفظ السلام ووصولاً إلى بناء السلام والتنمية، خاصة بين أطراف النزاعات التي طال فيها أمد الحرب". وهنا صرخت بداخلي "هذا هو الحل".

نعم، يجب على اليمنيين ألا ينتظروا هدوء العمليات العسكرية لبدء جهود الوساطة؛ يجب عليهم ألا يبكوا على اللبن المسكوب ولكن عليهم أن يفتحوا أبوابًا جديدة ويبذلوا المزيد من الجهود للتوصل إلى حلول سلمية للنزاع في اليمن.

هناك حاجة ماسة لتنسيق جهود الوساطة مع العدد الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية، ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من اليمنيين، الذين لم يشاركوا بشكل مباشر في النزاع، وهنا يمكن لتركيا أن تقوم بدور أكثر صلابة لحل النزاع في اليمن.

في مطلع العام الجاري 2019، أرسل تشاووش أوغلو رسالة واضحة عن اليمن، حيث قال: إ "إيجاد حل للقضية اليمنية سيكون من أولويات تركيا في العام 2019". وأنا أعتقد أن الوقت قد حان لتركيا لاتخاذ خطوة أكثر صلابة نحو إيجاد حل للأزمة في اليمن. فبالإضافة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإدانة تدخلها السافر في اليمن، يمكن لتركيا أيضاً أن تبدأ في تقديم حلول أخرى.

ومع الأخذ بعين الاعتبار السياق الخاص للحرب في اليمن وكما هو شعار مؤتمر إسطنبول للوساطة، "تقييم الوضع الحالي والتطلع إلى الأمام"، يمكن لتركيا الاستفادة من تجربتها الغنية في الوساطة التي اكتسبتها منذ عام 2010، عندما أطلقت مبادرة "الوساطة لأجل السلام مع فنلندا".

مبادرات الوساطة التركية

على مدى السنوات العشر الماضية، قدمت تركيا إسهامات جوهرية في موضوع الوساطة، ومنها مساعيها لتحقيق المصالحة الداخلية في العراق ولبنان وقيرغيزستان، بالإضافة إلى عمليتي التعاون الثلاثية التي أطلقتها مع صربيا وكرواتيا لتحقيق سلام واستقرار دائم في البوسنة والهرسك. بالإضافة إلى موقفها البنّاء الذي تبنته للحل السلمي لقضية البرنامج النووي الإيراني من خلال الحوار، والدور الذي لعبته في المحادثات بين الصومال وأرض الصومال، ودعمها أيضاً لعمليات السلام في جنوب الفلبين، وغيرها من المبادرات التي تضاف إلى رصيد تركيا وإسهاماتها في عمليات الوساطة في العالم.

مقترحات الوساطة التركية في اليمن

يجب أن تكون جهود الوساطة التركية في اليمن في شكل أعمال غير عسكرية وطوعية. بمعنى ان لا تنتظر تركيا أي طلب من أي جهة لتبدأ عمليات الوساطة في اليمن. فعلى المستوى المحلي في اليمن، لدى تركيا فرصة لبدء خطة تسعى من خلالها إلى زيادة الوعي بالحاجة الماسة إلى حل سلمي، وكذلك تستطيع العمل على عدة برامج لبناء قدرات الجيل القادم وتنمية عدد من الخبراء في مجال الوساطات لحل النزاعات، وأيضاً دعم واستضافة برامج متخصصة للساعين نحو السلام من اليمنيين. فمثل هذه الأعمال سوف تبني قاعدة مهمة تستطيع من خلالها تركيا تحقيق المزيد من النتائج الملموسة في المستقبل القريب.

فعلى الرغم من حقيقة أن تركيا أعلنت دعمها للعمليات العسكرية لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية بعد أيام قليلة فقط من بدء التدخل في مارس 2015، لكن أنقرة بدأت خلال السنوات الثلاث الأخيرة في التعاون مع عدو الرياض والداعم الرئيسي للحوثيين "إيران". وأنا أرى أنه بدلاً من اتباع مثل هذه الأساليب، لا يزال لدى تركيا الفرصة في أن تلعب دور الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهما الداعمين الإقليميين الرئيسيين للحرب في اليمن.

أعتقد أن تركيا يمكنها أن تفعل الكثير في اليمن من خلال تعزيز وحماية استقلالية اليمن وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه. كما أنه من الأفضل لتركيا أن تظل محايدة بخصوص الحرب في اليمن وأن تقوم بتسهيل الوساطة من اجل إحلال السلام في اليمن بأحد الطرق الثلاثة التالية: إما أن تدعم الوساطة ما بين الداعمين الإقليميين للحرب في اليمن (السعودية وإيران)، أو أن تدعم الوساطة أو جهود الوساطة ما بين الأطراف اليمنية (الحكومة الشرعية والحوثيين)، أو أن تقوم بدعم طرف ثالث، هذا الطرف الثالث طرف يمني، يقوم بالوساطة ما بين اليمنيين أنفسهم، وبهذا الشكل تضمن تركيا عدم تدخلها في الحرب في اليمن بشكل مباشر،  ولكن من خلال دعم طرف ثالث يمني يتوسط ما بين أطراف النزاع في اليمن.

نقلاً عن صحيفة ديلي صباح التركية

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية