نبوءة باصرة تعود إلى الواجهة: تحذيرات 2009 تكشف جذور صراع حضرموت اليوم
مع احتدام التوترات العسكرية والسياسية في شرق اليمن، ولا سيما في حضرموت والمهرة، أعاد ناشطون ومحللون سياسيون تسليط الضوء على تصريحات تاريخية شديدة الدلالة أدلى بها الأكاديمي ووزير التعليم العالي الأسبق الدكتور صالح باصرة في أغسطس/آب 2009، بدت حينها صادمة، لكنها اليوم تُقرأ بوصفها قراءة استشرافية دقيقة لما تشهده البلاد بعد 16 عاماً.
«الجنوب لن يعود جنوباً»
في مقابلته الشهيرة مع الإعلامي عارف الصرمي على قناة السعيدة، لم يتحدث باصرة بلغة العاطفة أو الشعارات، بل بلغة التحذير السياسي العميق، حين قال بوضوح:
«الحكم لن يكون بنفس الطريقة التي كانت، والجنوب لن يعود جنوباً».
لم يكن هذا التصريح رفضاً لفكرة المظلومية الجنوبية، بقدر ما كان تنبيهاً مبكراً من خطورة إعادة إنتاج مركزية جنوبية جديدة تحل محل مركزية صنعاء السابقة. وذهب باصرة أبعد من ذلك حين حذّر من سيناريوهات صراع مركبة: حرب داخل الجنوب بين أبنائه، وحرب أخرى بين الجنوب والشمال، إذا ما فُرض مشروع سياسي أحادي لا يراعي التعدد الجغرافي والقبلي والسياسي.
حضرموت… العقدة التي تجاهلها الجميع
ركز باصرة في حديثه على ما سماه لاحقاً المراقبون بـ«الجرح الحضرمي»، مؤكداً أن حضرموت بتاريخها وهويتها وثقلها السكاني والاقتصادي لا يمكن اختزالها أو إدارتها بعقلية الوصاية.
وقال حينها بلهجة لا تحتمل التأويل:
«أبناء حضرموت لن يقبلوا أن يأتي أبناء الضالع أو ردفان أو أبين ليحكموهم… هذا لا يمكن أن يكون».
وحذّر من أن الإصرار على فرض سلطة مركزية جنوبية من لون واحد سيؤدي إلى نتيجة معاكسة تماماً، تتمثل في تفكيك الجنوب نفسه إلى كيانات أصغر، متصارعة، ومتنافرة.
من التحذير إلى الواقع: حضرموت ترفض الأمر الواقع
اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد ونصف على تلك التصريحات، يبدو المشهد في وادي حضرموت وكأنه ترجمة حرفية لتحذيرات باصرة. فالمحافظة تشهد رفضاً شعبياً وسياسياً متصاعداً للتمدد العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تتركز قياداته في محافظات الضالع ولحج وأبين.
بالتوازي، برزت حركات سياسية ومجتمعية حضرمية ترفع شعارات الندية، أو الحكم الذاتي، أو حتى الاستقلال الكامل عن أي مركز قرار، سواء في صنعاء أو عدن، في مؤشر خطير على تفكك الإجماع الوطني والجنوبي معاً.
درع الوطن… تعبير عن القلق الحضرمي
ويُعدّ تأسيس قوات «درع الوطن» ذات المنشأ والقيادة الحضرمية، تطوراً بالغ الدلالة، إذ يجسد عملياً رغبة أبناء حضرموت في إدارة شؤونهم الأمنية والعسكرية بأنفسهم، بعيداً عن صراعات المشاريع المتنافسة. وهو تطور يعكس فقدان الثقة في الصيغ المفروضة بالقوة، ويؤكد أن الأمن والاستقرار لا يمكن فرضهما دون شراكة حقيقية.
الخلاصة: دولة بلا مركزية أو صراعات بلا نهاية
تعيد تصريحات الدكتور صالح باصرة التذكير بحقيقة جوهرية: أن أزمة اليمن، شمالاً وجنوباً، ليست فقط في شكل الدولة، بل في طريقة إدارتها، وفي احترام التعدد والخصوصيات. فمشاريع الهيمنة، مهما كان غطاؤها السياسي، لا تنتج دولاً، بل صراعات مؤجلة.
وما يجري اليوم في حضرموت لا يهدد الجنوب وحده، بل يضع وحدة الدولة اليمنية برمتها أمام اختبار مصيري، قد يكون ثمن تجاهله باهظاً على الجميع.
— محمد عبدالله الكميم (@alkumaim_m) December 21, 2025
صالح باصرة رحمة الله تغشاه وهو يتحدث عن اليوم ، وكانت لغته دوماً محذرة، منبهة.
كان مؤرخ يمني عظيم ويدرك مآلات الأمور عطفاً على حقائق التاريخ ووقائع الحاضر.
ولكنهم للأسف لا يعقلون#حضرموت_قادره_على_ادارة_نفسها pic.twitter.com/rEVWMeMobd




التعليقات