الصراع اليمني إلى أين ؟!
مقدمة
تشهد اليمن منذ ست سنوات، حرب بين الشرعية المنتخبة من الشعب وبين ميليشيا الحوثي الانقلابية، في خلال هذه الفترة مرت المعارك بمدّ و جزر بين الطرفين بدون نصر عسكري لأي طرف، و طبيعة استمرار الحرب بدون حسم أو عدم التوصل إلى اتفاق سياسي؛ يترتب عليها أزمات اقتصادية و اجتماعية وإنسانية، ترهق الشعب و تخلف معاناة لجميع المواطنين.
الدولة اليمنية تعاني اليوم من ضعف غير مسبوق بعد سنوات من تدخل التحالف العربي لمساندة حكومتها، وتقف اليمن في مفترق طرق تهدد كيانها السياسي ووحدتها، وجعلت البعض يفقد الأمل في الأطراف المتصارعة.
وفي الآونة الأخيرة نتيجة الضعف والفشل المتوالي للحكومة الشرعية، وعدم قدرتها على تقديم نموذج ناجح؛ دفع بالبعض للمطالبة بتشكيل طرف جديد كمنقذ لليمن من الوضع الحالي. وذهبت أصوات إلى المطالبة بضرورة تشكيل حركة وطنية من أجل انتشال الشعب من الدوامة التي يعشيها وإخراج اليمن من الكهف المظلم، وتجاوز الأطراف المتصارعة التي أرهقت اليمن.
الأطراف المتصارعة في اليمن
في الفترة التي كانت فيها جميع الأطراف اليمنية مجتمعة على طاولة الحوار من أجل تجنيب اليمن الحرب الأهلية و إخراجها من دوامة الأزمة السياسية؛ كانت ميليشيا الحوثي تخوض حروبها ضد السلفيين والقبليين في شمال اليمن، وواصلت الزحف باتجاه العاصمة اليمنية حتى سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر عام 2014م، بدعم الرئيس الراحل علي صالح.
اكتمل الانقلاب في يناير 2015م، بعد اقتحام مقر الرئاسة من قبل ميليشيا الحوثي وصالح، وأُجبر هادي على الاستقالة في 22 يناير نفسه، لكنه تراجع عن الاستقالة بعد أن تمكن من الإفلات من الإقامة الجبرية والخروج من صنعاء إلى عدن في 21 فبراير 2015، لتتجه الأمور إلى المواجهة، باجتياح الانقلابيين عدن وخروج الرئيس هادي من اليمن، وبدء العمليات العسكرية بدعم من التحالف العربي .
الشرعية اليمنية
تقلّد الرئيس عبد ربه هادي رئاسة اليمن خلفاً للرئيس الراحل علي عبد الله صالح في انتخابات عام 2012. كان هادي المرشح الرئاسي الوحيد بموجب المبادرة الخليجية، وفي حينها لم تقم الأحزاب السياسية بتقديم أي مرشح منافس له، وصوت له أكثر من 7 ملايين ناخب، وكانت الانتخابات بمثابة استفتاء شعبي لقيادة مرحلة انتقالية من أجل إخراج اليمن من دوامة الأزمة السياسية وعلى أمل تجنب الحرب الأهلية. و كان من المقرر أن تستمر فترة الرئيس هادي لمدة عامين، إلا أن الحكومة المؤقتة ومؤتمر الحوار الوطني لم يتمكنا من الوفاء بمتطلبات مبادرة مجلس التعاون الخليجي في الوقت المحدد.
بعد انقلاب ميليشيا الحوثي وسيطرتها على المحافظات اليمنية، ودخول اليمن في حرب ومواجهات عسكرية، استشعر اليمنيون والأطراف السياسية أهمية شرعية الرئيس هادي، لذا حظيت شرعيته بتأييد محلي واقليمي ودولي، من أجل بناء دولة والمحافظة على شرعية التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات وليس عن طريق الانقلابات العسكرية أو الميليشياوية، بهذا امتلكت الشرعية اليمنية نقاط قوة متعددة أهم هذه النقاط :-
- شرعية دستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية
- تأييد شعبي وإقليمي ودولي.
- جيش نظامي ودعم سعودي.
- مساحة واسعة من الأراضي اليمنية.
- شخصيات سياسية وطنية صاحبة كفاءة وخبرة في إدارة الدولة.
- سفراء في مختلف دول العالم.
ومقابل نقاط القوة التي تتمتع بها الشرعية اليمنية، برزت نقاط ضعف جعلت منها، شرعية عاجزة عن تقديم نموذج جيد من خلاله تستطيع الحفاظ على التأييد الشعبي والشخصيات السياسية الداعمة لها.
ومن أبرز نقاط الضعف لدى الشرعية اليمنية :-
- تسليم قرارها للتحالف العربي من خلال بقاء القيادة والحكومة في الرياض.
- عدم قدرتها على إدارة جميع المناطق المحررة، والسماح للميلشيات المسلحة في التحكم بأراضي الجنوب.
- عدم قدرتها على إدارة الملف الاقتصادي والإنساني والإعلامي بما يتوافق مع المرحلة التي تمر بها.
- عدم حفاظها على سيادة الأراضي المحررة، وعدم قدرتها على كبح التحركات الإماراتية في جنوب اليمن.
ميليشيا الحوثي
أدرك اليمنيون أن ميليشيا الحوثي تخوض ضدهم معركة وجودية، ولم يعد هناك شيء مشترك بينهم لا دستور ولا قانون ولا فكر ولا عقيدة، و أن هذه الميليشيا جاءت لاستهداف الهوية اليمنية بدرجة أولى، مما دفع الكثير بالتمسك بالشرعية اليمنية. ومع هذا فإن ميليشيا الحوثي تمكنت من امتلاك نقاط قوة جعلت منها قوة كبيرة مناهضة للشرعية اليمنية، ومن أبرز هذه النقاط:-
1- حشد رجال القبائل تحت مسمى الدفاع عن الأرض والعرض ومواجهة القوى الخارجية.
2- استغلال ضعف الحكومة الشرعية وغيابها عن اليمن، وتقديم نفسها بأنها القوة الوحيدة القادرة على البقاء في اليمن.
3- استغلال الأعمال التخريبية والأطماع لدولة الامارات، وتوظيفها لكسب ثقة اليمنيين.
4- استغلال أخطاء التحالف العربي وضحايا الطيران من المدنيين واستخدامها كورقة إعلامية وإنسانية.
5- الاستفادة من تراخي المجتمع الدولي وتذبذب مواقفه تجاه الشرعية.
6- اتباع حرب العصابات وليس الحرب النظامية، والتمركز في الطبيعة الجغرافية الوعرة التي ساعدتها في إطالة أمد الحرب رغم التفوق العسكري لقوات التحالف.
استطاعت ميليشيا الحوثي تحويل نقاط ضعف الشرعية وأخطاء التحالف العربي إلى نقاط قوة لها، مع ذلك فأن نقاط الضعف لدى ميليشيا الحوثي كثيرة أهمها :-
- لا توجد قاعدة مشتركة بينها وبين اليمنيين، أفكارها ومعتقداتها تتعارض مع أفكار اليمنيين.
2- عدم قدرتها على تغيير الواقع السياسي في الدولة اليمنية، وفشلهم في إدارة الأمن والخدمات وتوفير متطلبات المواطن.
3- عدم تمكنها من الحصول على اعتراف دولي وإقليمي بالحكومة التي شكلتها.
4- فقدانها الجزء الأكبر من أراضي الدولة اليمنية
5- تعاملها و خطابها مع اليمنيين ينطلق من مرتكز طائفي ونظرة استعلائية، مما دفع القبائل للبحث عن حلفاء صادقين للتخلص من حكم الميليشيا الذي قوّض سلطتهم.
6- من خلال الاطلاع على قوى الطرفين، سواء الشرعية أو ميليشيا الحوثي، فهي قوى مبعثرة بين نقاط القوة والضعف، وإن كانت نقاط ضعف الشرعية تذهب إلى المزيد من التصاعد، ومن ثم الفشل، بينما نقاط قوة ميليشيا الحوثي أكثر رسوخاً.
ومع استمرار تزايد نقاط الضعف لدى الشرعية وتراجعها في بعض مواقعها العسكرية لصالح ميليشيا الحوثي، وفشلها المتوالي في الدفاع عن السيادة الوطنية وتفاقم معاناة اليمنيين، دفع بالكثير من اليمنيين بالمطالبة بتغيير الرئيس هادي وفريقه وانهاء تدخل دول التحالف لا سيما دولة الامارات و استعادة السيادة اليمنية والقرار اليمني المستقل، صاحب هذه المطالبات مواقف شخصيات سياسية كانت في صف الرئيس هادي والبعض منها ما زالت، مثل نائب رئيس الوزراء أحمد الميسري ووزير النقل صالح الجبواني، ونائب رئيس البرلمان اليمني عبدالعزيز جباري، ووزير التجارة والصناعة، وغيرها من الشخصيات السياسية والاجتماعية التي أعلنت مناهضتها للدور الاماراتي في اليمن ورفضها موقف الشرعية الضعيف أمام الأحداث التي تعصف باليمن.
يبدو أن تتحول هذه الأصوات التي هي في تزايد مستمر ومواقف الشخصيات السياسية والاجتماعية إلى حركة وطنية، تتبنى المواقف الوطنية كإنقاذ الشرعية من القائمين عليها ومواجه ميلشيا الحوثي وحماية الأراضي اليمنية من الأطماع الخارجية ووقف التمدد الاماراتي في الأراضي الجنوبية.
حركة وطنية (طرف جديد)
يرى الكثير من اليمنيين بأن الشرعية اليمنية أصبحت عاجزة عن إدارة المرحلة وعدم قدرتها على حماية الأراضي اليمنية، سواء من ميليشيا الحوثي أو من القوى الخارجية، لاسيما بعد سيطرة الحوثي على نهم، الجوف، والزحف باتجاه مأرب، وسيطرة قوى تابعة لدولة الامارات على العاصمة المؤقتة عدن وجزيرة سقطرى، لذا من الضروري ظهور حركة وطنية كطرف جديد يقف الى جانب اليمن ومعاناة شعبه، وتطلعات اليمنيين وحماية سيادة أراضيه وباعتقاد الكثير أصبحت الحاجة إلى حركة وطنية ضرورية لا سيما في ظل الوضع الحالي الذي تمر به اليمن.
في الوقت الذي يحتاج فيه اليمنيون إلى منقذ وطرف يقف إلى صفهم تحتاج الحركة الوطنية إلى وجود عسكري وميداني يمكنها من القيام بمهامها الوطنية كمواجهة الحوثي والقوات التابعة لدولة الامارات وقدرة مالية يمكنها من تحمل نفقات المرحلة وحليف إقليمي ودولي يقف معها أمام المجتمع الدولي، ومن خلال هذه الاحتياجات التي تعد ضرورية لقيام حركة وطنية، نجد من الصعوبة تشكيل طرف ثالث داخل صف الشرعية اليمنية في الوقت الحالي، لأسباب كثيرة أهمها، الموقف السعودي الداعم لرئيس هادي، انشغال الجيش بمعارك مع ميليشيا الحوثي، دعم الأحزاب السياسية لرئيس هادي وفي مقدمة هذه الأحزاب حزب الإصلاح.
مستقبل الصراع اليمني
وصل الصراع في اليمن إلى مرحلة معقدة، تراجع دور الشرعية اليمنية وضعف أدائها في الجانب السياسي والعسكري، عدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكرياً، كذلك لا يوجد استعداد لدى الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حل سياسي، في الوقت نفسه من الصعب تشكيل طرف جديد عسكري داخل صف الشرعية اليمنية ومن الصعب قيام ثورة ضد الحوثي في المناطق المسيطر عليها، كل هذا يؤكد بأن الحرب في اليمن ما زالت مستمرة وأن الخروج من دوامة هذه الأزمة ليس بالأمر السهل.
وعليه فإن الشرعية اليمنية رغم ضعفها وما عليها من ملاحظات تمثل طوق نجاة اليمن واليمنيين لاختصار الوقت والتضحيات، لذا هي بحاجة إلى تصحيح أخطائها بشكل عاجل وهيكلة مؤسساتها، ومراجعة آلية تعاملها مع التحالف العربي، وبسط نفوذها في المناطق المسيطرة عليها وإدارة مؤسساتها بشكل محترف بما يتناسب مع المرحلة الحالية التي تمر بها اليمن.
بينما استمرار الشرعية في الوضع التي عليه، تضاعف نقاط الضعف لديها، مقابل تزايد نقاط القوة لدى الميليشيات في الشمال والجنوب، يقودنا إلى السيناريوهات التالية :-
السيناريو الأول:
توسع نفوذ الميليشيات في الشمال والجنوب، من خلال تمدد الحوثيين باتجاه المحافظات الشمالية مثل الحديدة و تعز و مأرب، و تمدد الميليشيات التابعة لدولة الإمارات باتجاه المحافظات الجنوبية مثل حضرموت و شبوة. يعزز هذا السيناريو تعامل الحكومة الشرعية مع سير المعارك الحالية سواء المعارك التي تخوضها ضد ميليشيا الحوثي أو ضد ميليشيات الإمارات، و مجريات الأحداث العسكرية والميدانية توحي بأن هذا السيناريو أقرب إلى التحقق.
السيناريو الثاني:
استنزاف جميع الأطراف اليمنية، وبقاء اليمن في مرحلة التيه والفوضى، بدون تحقيق تقدم استراتيجي لأي طرف معين. التعامل الحالي لدول التحالف مع الحكومة الشرعية يعزز هذا السيناريو وذلك من خلال تواطئها مع ميليشيات الامارات في عدن و جزيرة سقطرى ودعم دولة الامارات لمختلف الميليشيات المتمردة على الشرعية اليمنية، مقابل دعم السعودية للجيش التابع لحكومة الشرعية.




التعليقات