تساؤلات في ذكرى المولد المزعومة

من المعلوم قطعاً أن العرب لم يكونوا يهتمون بالكتابة والتدوين والتواريخ قبل الاسلام ، وحتى منتصف القرن الهجري الأول من صدر الإسلام، ويعتمدون على الذاكرة، وفي الأثر ( نحن أمة امية لا نكتب ولا نحسب ) وجرى ذلك في كل شئ ما عدا كتابة القرٱن الكريم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث خصص لهذه المهمة كتاباً محددين، وفي نهاية القرن الثاني بدأ الباحثون بكتابة السير والتواريخ وتدوينها .

و كانوا قبل ذلك ينسبون المستجدات والحوادث الصغيرة إلى الحوادث الكبرى المشهورة، فيقولون حصل الشئ الفلاني في السنة التي وقعت فيها الحادثة الفلانية، او قبلها، او بعدها، دون تحديد رقم العام الذي وقعت فيه، فضلا عن الشهر أو اليوم، لأنهم لم يكونوا يعتمدون الحساب والكتابة أصلاً، ولم يكن للعرب حينها تاريخ كمرجع-خصوصاً عرب الوسط- واعتمدوا التاريخ الهجري القمري في خلافة عمر بن الخطاب فقط.

فلو أتينا الى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أنه ولد بشكل اعتيادي كأي طفل في مكة، ولم يكن أحد يتوقع ما سيكون من شأنه، حتى يحفظوا تاريخ مولده، وحتى لو فعلوا ذلك فلن يكون حفظه دقيق في الغالب كون الحوادث كانت تحفظ في الذاكرة ولم يكونوا يدونوها بالكتابة ويجري نسبة وقوعها بشكل إجمالي إلى أقرب حادثة مشهورة كما أسلفنا.

وظل الأمر كذلك حتى توسع الإسلام، وظهر التدوين ايام الخلفاء من بعده، فاحتاج الباحثون الى التوثيق؛ من باب التحقيق المعرفي، خصوصا كتاب السيَر. فحاولوا ان يربطوا الاحداث بشكل تقريبي، من خلال الاستقراء، والتحليل، وتوقعوا بأن مولد النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي وقعت فيها حادثة الفيل. وهذا قادهم الى محاولة معرفة متى هذه الحادثة بالضبط؟

فاختلفوا في تحديد وقتها اختلافا كبيرا، رغم شهرتها، ومع ان القرآن دونّها في سورة كاملة سميت بسورة الفيل، ولو لم يتم ذلك لما أخذت كل تلك الشهرة، واختلفوا أكثر في تاريخ مولده كونه حدث اعتيادي في وقت وقوعه ولم يدونه القرٱن كحادثة الفيل، فقيل في ربيع الأول وقيل في صفر وقيل في رمضان وقيل غير ذلك .. واختلفوا في المدة الزمنية بينه وبين حادثة الفيل على أقوال كثيرة مفصلة في مراجع التاريخ وكتب السِّير الاولى..

وحتى بعد البعثة لم يكن تاريخ مولده يشكل أي اهتمام لدى عموم الصحابة، ولا يترتب على ذلك أي حكم شرعي، ولم يصح في ذلك أي نص من الوحي؛ سوى حديث واحد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين فقال " ذلك يوم فيه ولدت وفيه بعثت"رواه مسلم عن أبي قتادة، ولم يذكر اي عام ولا شهر.

وحتى الزيدية أنفسهم اختلفوا في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم على أقوالٍ عدَّة:

-فمنهم من زعم أنه في الثاني من ربيع الأول،

السيرة النبوية للشرفي ص١٧ ومنهم من زعم أنه في الثاني عشر منه وهو ظاهر كلام المحطوري ثم تناقض وزعم أنه وُلد في اليوم السابع عشر منه في يوم الجمعة ذكره في السيرة النبوية ص٩

-ومنهم من زعم أنه في التاسع من ربيع الأول

كما في حاشية المصابيح لأبي العباس الحسني ص٩٦

وهو ظاهر كلام مجدالدين المؤيدي ذكره في التحف ص٢٧

‏ومنهم من زعم أنَّه في الثَّامن من ربيعٍ الأوَّل،

كما في مروج الذهب للمسعودي.

ومنهم من زعم أنه في الثاني عشر من رمضان،كما في

الأمالي الإثنينية للشجري.

صدق الله

(وَما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا﴾ -أوردها منذر الزيدية-

 

ورغم أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حدث ضخم، وخطير وملفت؛ قياسا على مولده، الا أنه ورغم شهرته اختلف المؤرخون أيضاً فيه اختلافا كبيراً، رغم انها مرتبطة بأضخم حدث انساني وثقافي وديني فكيف بمولده الذي يعتبر حدثا عاديا جدا في وقته.

 

بين وفاته ومولده

____

من المقطوع به أن وفاته صلى الله عليه وسلم أشهر وأعظم من مولده، كونه أصبح أعظم نبي ورسول وقائد ومع ذلك حصل الخلاف لأنهم لم يكونوا يدونوا حينها، ولم يكن قد بدأ عصر التدوين ، والكتابة ، والتسجيل؛ ما عدا القرآن الكريم الكريم، الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته. وكانت المرويات غير القرآن كلها من الذاكرة لهذا حصل الاختلاف في النقل.

فاختلف الباحثون في تاريخ وفاته على أقوال أبرزها :

 

1. الجمهور على أنها كانت في الثاني عشر من شهر ربيع أول .

2. وذهب الخوازمي وآخرون إلى أنها كانت في الأول من ربيع أول.

3/ وقال ابن الكلبي وأبو مخنف إنها كانت في الثاني من ربيع أول ، ومال إليه السهيلي، والحافظ ابن حجر رحمه الله.

وينظر : " الروض الأنف " ، للسهيلي ( 4 / 439 ، 440 ) ، " السيرة النبوية " لابن كثير( 4 / 509 ) ، " فتح الباري " لابن حجر ( 8 / 130 ) .

ومن قال أنه يوم 12 ربيع الاول سيصطدم بنتائج التحقيق العلمي بعد تطور المعارف الفلكية. فقد حقق بعض العلماء المسلمين من أهل الحساب والفلك أن يوم الاثنين يوافق التاسع من ربيع الأول وليس الثاني عشر!!. وهو يعادل العشرين من ابريل نيسان لعام 571 م ، وقد رجحه بعض العلماء من كتَّاب السيرة المعاصرين ومنهم الأستاذ محمد الخضري ، وصفي الرحمن المباركفوري .

قال أبو القاسم السهيلي – رحمه الله - :

وأهل الحساب يقولون : وافق مولده من الشهور الشمسية " نيسان " ، فكانت لعشرين مضت منه .

" الروض الأُنُف " ( 1 / 282 ) .

وقال الأستاذ محمد الخضري – رحمه الله - :

وقد حقق المرحوم محمود باشا الفلكي - عالم فلكي مصري ، له باع في الفلك والجغرافيا والرياضيات وكتب وأبحاث ، توفي عام 1885م - : أن ذلك كان صبيحة يوم الاثنين تاسع ربيع الأول الموافق لليوم العشرين من أبريل / نيسان ، سنة 571 من الميلاد ، وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل ، وكانت ولادته في دار أبي طالب بشعب بني هاشم .

" نور اليقين في سيرة سيد المرسلين " ( ص 9 )، وينظر: " الرحيق المختوم " ( ص 41 ) .

فإذا كان الأمر كذلك ، وتبين لنا بشكلٍ قاطع  أن يوم الاثنين الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوافق يوم الثاني عشر من ربيع الأول، و أن تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم حسب رأي الجمهور ومنهم الزيدية أنفسهم كانت في 12 من ربيع الاول سنة11 من الهجرة فيبقى السؤال قاااااائما: لماذا الاحتفال بهذا اليوم وهو يوم وفاته ؟!!!!.

احتفالهم بالمولد من حيث المبدأ هو تصرف سياسي سلالي وليس له علاقة حقيقية بالدين الا من باب الاستغلال فقط، يريدوا توجيه رسالة للمسلمين أن هذا يوم مولد جدنا الملك أو الشيخ الذي ينتقل ملكه أو مشيخته إلى اولاد بنته من بعده، وليس النبي الرسول الذي أرسله الله رحمة للعالمين فيكون حظ كل واحد منه بحسب اتباعه له وعمله وليس نسبه، وهذا يعتبر هدم للإسلام وتحويله من ديانة عادلة ورحمة؛ إلى مشيخ أو ملك سلالي عنصري أناني بغيض. هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى لا يستبعد أن الإحتفال في هذا اليوم بالذات دسيسة فارسية خبيثة!!!

يفرحوا ويرقصوا ويحتفلوا فيها بموت النبي الرسول، والزعيم الخالد، الذي تلاشت امبراطوريتهم العظمى على يد أصحابه، ويغطوا هذا الفرح العظيم في هذا اليوم الذي مات فيه بلافتة المولد؟!

خصوصا وان الثابت بأن بدعة الاحتفال هذه انما جاءت الى العرب من جهة فارس وشيعتهم المدجنون بثقافة الفرس وعقائدهم الفلسفية الباطلة.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية