"التكافل المجتمعي" في رمضان.. سلوك اليمنيين للتخفيف عن بعضهم من قسوة المعيشة
يخفف اليمنيون عن مأساتهم من الحرب خلال شهر رمضان بالتكافل الاجتماعي فيما بينهم، حيث تتبادل الأسر الوجبات الرمضانية، فيعطي كل شخص جاره او صديقه وجبة مما صنع في منزلة، بالإضافة إلى مساعدات وهبات يقدمها التجار والمغتربون لكثير من الأسر المحيطة بهم.
ويعد تبادل الوجبات الرمضانية من العادات اليمنية التي يمارسها اليمنيون خلال شهر رمضان، فتزدهر المائدة الرمضانية وتتكامل بالتكافل المجتمعي، وفي هذا تزداد الألفة المجتمعية وتمتزج مع بعضها، فيشعر الكثير من الناس بغيرهم ويستفيدون من جيرانهم وأصدقائهم، المحتاج منهم وغير المحتاج.
وتساعد هذه العادة الرمضانية على معرفة حال الأسر والجيران من حيث ما يقدمون، وبذلك يسعى الكثير للتعاون معهم لمساعدتهم، سواء من خلال إعطائهم مما يملكون من غذاء يومي، وهذا يتم دون أن يكون هناك شعور بأن المحتاج يتسلم مساعدة، بل تأتي من باب ممارسة العادة الاجتماعية في العطاء والمشاركة في المائدة.
اتفاق متبادل
على مستوى الأسر يبرز التكافل الاجتماعي، بين الجيران والأهل والأصدقاء حيث يعملون دائما على مشاركة بعضهم في الوجبات الرمضانية، أو الحلويات أو أي شيء يطبخونه ويعتقدون انه لا يوجد عند غيرهم، فيعطوهم منه، هذا بالنسبة لجميع الأسر المتساوية في المعيشة والدخل.
وأحيانا يتم الاتفاق على أن كل أسرة تعطي الأخرى بشكل يومي من وجبة معينة، مثل ما حدث في عمارة يسكن فيها عدد من الأسر بأحد الأحياء في العاصمة صنعاء، ويتم بذلك توفير الجهد والمال على الأسر وإتاحة الوقت أكبر للتفرغ للاستمتاع بأجواء رمضان بعيدا عن المطبخ.
ويقول سلطان القدسي - وهو أحد سكان العمارة السكنية المذكورة - ان أربع من ربات المنازل في العمارة بينهن زوجتي، اتفقن على ان كل امرأة تعد وجبة من الوجبات الرئيسة وتعطي الجميع منها خلال شهر رمضان، لتوفير الجهد والمال.
وأضاف في حديث لـ "يني يمن" أنهن اتفقن على اعداد اللحوح (خبز يتم اعداد منه وجبة تسمى الشفوت)، والسنبوسة، وصنفين من الحلويات الشعبية في اليمن، وبذلك تكون كل اسرة وفرت جهد وتكلفة ثلاث أصناف من المائدة الرمضانية.
وأشار القدسى "أنهم يعيشون كجيران وليس بينهم صلة قرابة، ويتبادلون الاحتياجات طوال السنة سواء حاجات الطعام او غيره، لكن في رمضان تكون أكثر، وتمر ظروف سيئة في بعض الأسر ويغطيها التكافل الموجود حيث يصر الجميع على المساعدة".
التجار والمغتربون
في "حي نُقم" يوزع رجل أعمال مواد غذائية متكاملة إلى كل أسرة في شهر رمضان منذ سنوات، وبشكل متقطع خلال الأشهر الباقية من السنة، من خلال كشف أسماء الساكنين يمتلكه ويتم تحديثه في كل مرة يتم التوزيع، ولا يفرق بين محتاج او غير ذلك فيعطيهم نفس الكمية وبالطريقة ذاتها.
وقال محمود المطري - أحد الساكنين في الحي - ان المساعدات تصلهم إلى منازلهم أحيانا يأتي عمال يطرقون الأبواب ويوزعونها على الجميع، من أول أسرة حتى آخر أسرة في الحارة، دون تفريق بين المحتاج أو غيره، وهكذا جرت العادة منذ سنوات.
ويمارس كثير من التجار والمغتربين اليمنين في الخارج نفس السلوك في المدن والقرى، وتعمل هذه بشكل كبير على مساعدة كثير من المحتاجين، ويعمل الكثير منهم ضمن عادة رمضانية يتبعونها لإدخال البهجة على الأسر الفقيرة، بعيدا عن سلوك المنظمات الاغاثية المُذل للكثير من المواطنين.
مساعدات بعيدا عن طوابير الاستغلال
ويستفيد الكثير من المواطنين المحتاجين من حالة التكافل الاجتماعي التي تتم من قبل رجال الأعمال أو جيرانهم وأقاربهم الذين يعيشون حالة مادية أفضل، وهي تساعد أكثر المحتاجين المتعففين في منازلهم من خلال التوزيع العشوائي للمساعدات لجميع الناس.
ورغم أن كثير من المساعدات الإنسانية والاغاثية تصل إلى اليمن، وتعلن عنها المنظمات الأممية وبعض الجهات الدولية الأخرى، غير انها لا تصل إلى غالبية المحتاجين حيث يتم التلاعب بها، ونهبها من قبل سلطات ميليشيات الحوثي ولا يصل إلا الفتات للفقراء.
وتعمل المنظمات الأممية على توزيع المساعدات عبر سلطة الحوثيين في العاصمة صنعاء، فيتم فرض إجراءات لصالح سلطة قيادات الحوثيين، واسقاط أسماء محتاجين، وعبر السلسلة الهرمية لوصول المساعدات تضيع تلك الإغاثة، ويشاهدها الفقراء تباع لهم في الأسواق الشعبية.
ويحافظ اليمنيون على تماسكهم المجتمعي من خلال مساعدة بعضهم للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي أصابت كثيراً من الناس، بعيدا عن سلوك المنظمات الاغاثية وعملية المتاجرة المعلنة بأوجاع اليمنية في ظل الحرب الجارية في البلاد للعام الخامس على التوالي.




التعليقات