من أبوظبي إلى سيئون.. كيف أُديرت عملية اجتياح حضرموت وأعيد رسم ميزان القوة في شرق اليمن؟ (تقرير ليلة الغزو )
| دفعت القوات المدعومة إماراتيا بقرابة 13 لواء و15 ألف مقاتل إلى حضرموت والمهرة معززة بأسلحة متطورة..
في ليلة باردة، حطّت طائرة عسكرية إماراتية خاصة في مطار عدن الدولي، مساء الخميس 27 نوفمبر، تقلّ رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس قاسم الزبيدي، ونائبه عبدالرحمن المحرمي المعروف بـ(أبو زرعة)، قادمين من مقر إقامتهما الدائمة في أبوظبي، وبرفقتهما ضباط إماراتيون رفيعو المستوى، وعدد من القيادات العسكرية في المجلس الانتقالي.
كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، ومعه عضو المجلس عبدالله العليمي باوزير، ورئيس الحكومة، قد سبقوا في العودة إلى عدن قبل عشرة أيام، واستقروا في قصر معاشيق بكريتر، الذي تتخذه الحكومة والمجلس الرئاسي مقراً رئيسياً.
العودة غير الاعتيادية للزبيدي ونائبه تزامنت مع انعقاد أعمال المؤتمر الوطني الأول للطاقة، بحضور عبدالله العليمي ورئيس الحكومة سالم بن بريك، حيث أعلن سفير دولة الإمارات لدى اليمن، محمد الزعابي، تخصيص بلاده مبلغ مليار دولار لمشاريع تنموية استراتيجية في اليمن. إعلان غير مألوف، سواء من حيث طبيعته أو توقيته، وأثار علامات استفهام تجاوزت حدود الداخل اليمني.
توجّه عيدروس إلى مكتبه في القصر الجمهوري المعروف بـ"المدوّر" في منطقة التواهي، وهو الموقع الذي شهد إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، قبل أن يحوّله الانتقالي إلى مقر رئيسي لإدارته، ومنه تُدار هيئات المجلس وقواته العسكرية والأمنية المتنامية نفوذاً في الجغرافيا الجنوبية والجنوبية الشرقية.
في المقابل، اتجه ضباط إماراتيون وخبراء أجانب شرقاً نحو مدينة المكلا، عاصمة ساحل حضرموت، حيث حطوا في مطار الريّان، الذي يُعد القاعدة العسكرية الإماراتية ومركز القيادة والسيطرة لعملياتها منذ منتصف عام 2016، ومنها أُشرفوا على تحضيرات عملية عسكرية جريئة أُطلق عليها "المستقبل الواعد".
في الساحل الحضرمي، حيث المرافئ الاستراتيجية على البحر العربي، ومناطق الهضبة الغنية بالنفط، كان التوتر يتصاعد بين الانتقالي و"حلف قبائل حضرموت" بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، أحد مشائخ قبائل الحموم، ووكيل أول محافظة حضرموت، وزعيم مؤتمر حضرموت الجامع.
الحلف، المتبني دعوات الحكم الذاتي لحضرموت، تأسس منتصف عام 2013 كائتلاف قبلي–سياسي، وعاود نشاطه مؤخراً عبر تشكيل تجمعات قبلية مسلحة (مطارح)، ونشر نقاط تفتيش في مناطق الهضبة والطرق الرئيسية. قبل أن ينتقل إلى مرحلة أكثر تنظيماً، بتشكيل قوات عسكرية وأمنية وفتح باب التجنيد منذ مايو الماضي، لتأسيس نحو ثلاثة ألوية قتالية تحت مسمى "قوات حماية حضرموت". وأصدر الحلف قرارات بتعيين قيادات هذه القوات، وأشرف على استعراضاتها العسكرية، مستقطباً مقاتلين حضارم، وضباط وأفراد من قوات "النخبة الحضرمية" المدعومة إماراتياً وقوات المنطقة العسكرية الثانية.
بلغ التوتر ذروته مع تحركات القيادي المثير للجدل صالح علي حسين الشيخ أبو بكر، المعروف بـ(أبو علي الحضرمي)، الذي ظهر في أغسطس الماضي، على رأس قوة انتقالية تحت مسمى "قوات الدعم الأمني"، كفرع مستحدث اسمياً ضمن قوات "النخبة الحضرمية". وهو اشتراكي سابق ينتمي إلى "رابطة أبناء الجنوب" (المعروفة سابقاً برابطة أبناء اليمن – رأي، أو "هواشم الجنوب"). شغل منصب مستشار لنائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض، ومديراً لمكتبه، ويصف علاقته به بأنها ذات طابع عائلي.
برز كقيادي في "حركة تقرير المصير – حتم"، وعُيّن أميناً عاماً لها. وهي الجناح المسلح للحراك الانفصالي الذي تأسس في التسعينيات بدعم وتمويل إيراني، وتلقى بعض أعضائه تدريبات في "حزب الله" ببيروت. كما تولّى إدارة قناة "عدن لايف"، التي أُنشئت بدعم من حزب الله، واعتمدت خطاباً متماهياً مع الحوثيين ومحور إيران. وعمل سابقاً مسؤولاً عن تجنيد وتدريب عناصر جنوبية في لبنان وصعدة. ويرتبط بعلاقة وثيقة مع الإمارات، ويعمل تحت إشراف غرفة العمليات التابعة للقوات الإماراتية في جزيرة ميون.
أُوكلت إليه قيادة قوة الدعم الأمني التي شُكّلت من مقاتلين موالين للانتقالي من الضالع ولحج وعدن، وحظيت برعاية إماراتية خاصة، وزُوّدت بأسلحة متطورة ومدرعات وكاسحات ألغام وطائرات مسيّرة.
القيادي ابو علي الحضرمي
من مواجهة الحلف إلى استهداف سيئون
نشط الحضرمي كما لو أنه يمسك بزمام المبادرة، متنقلاً بين لقاءات قبلية، ودافعاً بقواته للاحتكاك مع قوات الحلف والتقرب من مناطق تمركزها. وخلال فعالية في قصيعر، وجّه تهديدات مباشرة لبن حبريش بالاسم، متحدثاً عن "جيش الجنوب العربي"، ومتوعداً بعدم السماح ببقاء الحلف وقواته، واتهامها بقطع الطرق وتهريب السلاح والمخدرات.
ردّ بن حبريش بدعوة أنصار الحلف والقبائل لاجتماع أعلن خلاله التعبئة العامة، وعزمه خوض المواجهة، وبدأ نشر قواته وتعزيز تمركزها في شركات النفط بالهضبة. في المقابل، استقطب الانتقالي بعض قادة الحلف، ودعاهم لاجتماع أفضى إلى تنصيب الشيخ خالد محسن الكثيري رئيساً لنسخة موازية للحلف.
ظاهريا، كان عنوان التصعيد مواجهة قوات الحلف، غير أن الوقائع أظهرت لاحقاً أن الهدف الحقيقي كان مدينة سيئون، وجغرافيا الوادي والصحراء، ضمن خطة خداعية لتحييد بن حبريش، الذي أطلق عليه أنصاره لقب "سلطان الجبل".
في 25 نوفمبر، خرج عضو المجلس الرئاسي اللواء فرج البحسني، نائب رئيس المجلس الانتقالي والمشرف على قواته في حضرموت، بتصريحات اتهم فيها رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي بالتعطيل المتعمد لتنفيذ قرارات تطبيع الأوضاع في حضرموت، كان المجلس قد أقرها في آخر اجتماعاته بالرياض.
هدّد البحسني باتخاذ قرارات "أحادية الجانب"، على غرار حزمة قرارات سابقة أصدرها رئيس الانتقالي، شملت تعيينات في مناصب حكومية رفيعة، بينها رؤساء هيئات ونواب/ وكلاء وزارات، إضافة إلى حكّام عسكريين ووكلاء في في عدن ومحافظات جنوبية. تلك القرارات أُقرت لاحقاً من قبل العليمي كأمر واقع، في إطار صفقة غامضة، وبما يخالف تفاهمات فرضتها الرباعية الدولية لإلغاء التعيينات.
أصدر رشاد العليمي مرسوماً رئاسياً بتعيين سالم أحمد الخنبشي، محافظاً لحضرموت، هذا القرار تأخر أسابيع منذ أقره الرئاسي.
والخنبشي سياسي اشتراكي سابق، انتقل لاحقاً إلى المؤتمر الشعبي العام، وشغل منصب المحافظ خلال 2008–2011. وبعد نحو 48 ساعة، أدى سالم اليمين الدستورية أمام العليمي في قصر معاشيق، قبل أن يتوجه للقاء الزبيدي في مقر المجلس الانتقالي، ثم عقد لقاءً منفصلاً مع عبدالرحمن المحرمي.
في اليوم ذاته، عقد العليمي اجتماعاً للجنة الأمنية العليا، بحضور المحرمي، ورئيس اللجنة- وزير الدفاع، ناقش –بحسب البيان الرسمي– "التطورات المحلية، ومستجدات الأوضاع الأمنية والعسكرية، وجهود تعزيز الأمن والاستقرار والسكينة العامة في البلاد"، دون أن يتطرق البيان صراحة إلى ما يجري في حضرموت.
وعند الساعات الأولى من صباح 30 نوفمبر، شهد الزبيدي استعراضاً عسكرياً لقوات الانتقالي بساحة العروض بمدينة خور مكسر. استُدعي لحضور العرض وزيري الدفاع والخارجية والوزراء الجنوبيون في الحكومة الشرعية، وقفوا جميعا لتحية العلم الجنوبي. ومن خلف ساتر زجاجي مضاد للرصاص، على أنغام نشيد جنوبي، أدى الزبيدي التحية لسرايا عسكرية وأمنية. وصف أنصار الانتقالي الفعالية بأنها الأولى من نوعها منذ عام 89م، ورأوا فيها تعبيراً عن "الجيش الجنوبي" المنتظر.
اللعب على الحدود السعودية
أشرفت دولة الإمارات على تشكيل واجهات سياسية وبناء أذرع عسكرية وأمنية منذ عام 2015، بصبغات جغرافية ومذهبية، وتغذية نفوذها عبر مليشيات خارج هياكل الدولة اليمنية، مستغلة مشاركتها في "عاصفة الحزم" لترسيخ حضورها في جنوب اليمن وسواحله الممتدة على مياه البحر العربي شرقاً، وخليج عدن جنوباً، والبحر الأحمر غرباً. أنفقت أبوظبي أموالاً باهظة وأغدقت على أذرعها المحلية، وسخّرت أدواتها سياسياً ودعائياً ودبلوماسياً.
ومن خلال هذا المسار، نجحت الإمارات في شرعنة المجلس الانتقالي منذ تأسيسه عام 2017، وانتزاع الاعتراف به كشريك في العملية السياسية عبر "اتفاق الرياض، 2019"، ثم "إعلان نقل السلطة، أبريل 2022"، بعد جولات عنيفة من التمرد على الحكومة الشرعية.
ولسنوات، عملت أبوظبي على الاقتراب من الخاصرة الجنوبية للسعودية، ومحاولة وضع قدم على حدود مفتوحة تمتد لأكثر من 800 كيلومتر في صحراء الربع الخالي. وعلى الجهة الأخرى شرقاً، سعت الإمارات –وفق هذا التصور– للاقتراب من حدود سلطنة عُمان، خصمها اللدود، الممتدة قرابة 183 ميلاً عبر جغرافيا محافظة المهرة على سواحل البحر العربي. هذه الحدود مجتمعة جرى رسمت بموجب اتفاقات مع "الجمهورية اليمنية".
وفي هذا السياق، بدت الخطة – هذه المرة – أكبر من الأهداف المحلية الخاصة بسعي الانتقالي لاستكمال السيطرة على الجغرافيا الجنوبية وفق حدود ما قبل إعادة إعلان الوحدة اليمنية 22 مايو 90، وفرض السطوة على منابع النفط والمكنوزات المدفونة ضمن مشروع "الاستقلال وبناء دولة جنوبية" المستند إلى نزعات مناطقية وطائفية وضغائن متراكمة.
بدت الفرصة مواتية مع حالة الانسداد يمنيا والتحولات الإقليمية الجارية، وبدا أن قرار "الاحتكاك المباشر" مع الرياض قد حُسم في "قصر الوطن". وتجلّت الإدارة المركزية الإماراتية –وفق ما تفيد به معلومات ومصادر– باشتراك كامل الأدوات والأذرع المحلية، إلى جانب تحرك دبلوماسي هدفه تحييد المجتمع الدولي وطمأنة الممثليات الدبلوماسية وشراء صمتها، مع تسويق التصعيد بذريعة "محاربة الإرهاب والتهريب" التي ارتكز عليها خطاب أبوظبي إعلاميا ودعائيا منذ نحو عقد.
غرفة عمليات مركزية وحشد هائل
تفيد مصادر "ديفانس لاين" أن الإمارات شكّلت غرفة عمليات مركزية لإدارة العملية، إلى جانب مراكز متقدمة في حضرموت وشبوة. وشارك ضباط إماراتيون ميدانياً في العمليات، أوكلت إليهم مهام الإسناد المعلوماتي والتوجيه العملياتي. شارك في تسيير العمليات اللواء ركن هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع الأسبق ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المساندة للمجلس الرئاسي والمكلفة بهيكلة القوات اليمنية.
كما دُفع بسرب متطور من الطيران المسيّر –قتالي واستطلاعي– لاستهداف معدات ومواقع القوات الوطنية. وأصدرت القوات الإماراتية تعميماً لجميع التشكيلات الموالية لها بالتعبئة العامة والالتزام بالتعليمات.
وتشير معلومات إلى أن الانتقالي حشد أكثر من 13 لواء من مختلف تشكيلاته العسكرية والأمنية بكامل قواتها وعتادها، إلى جانب كتائب أخرى نُقلت من عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة، إلى حضرموت والمهرة، وأطراف شبوة.
وتقدر المصادر أن قوات القوات المدعومة إماراتيا التي نقلت إلى المحافظات الشرقية تضم قرابة 15 ألف مقاتل.
إذ وجّه الانتقالي قواته النخبوية شرقاً، من مختلف الفروع والفرق، معززة بالمعدات الثقيلة والمدفعية ومنظومات الطيران المسيّر وصواريخ مضادة للدروع إلى حضرموت والمهرة، بمشاركة.
تضم القوات المنقولة: 7 ألوية وكتائب نوعية من تشكيل "ألوية الدعم والإسناد" التي يقودها نصر عاطف المشوشي اليافعي (أبو حرب)، وتضم ثمانية ألوية متمركزة في محافظة أبين منذ ما بعد توقيع اتفاق الرياض، وقد خضعت مؤخراً لإعادة هيكلة قيادية وتأهيل. وبرز ميدانيا العميد مختار علي مثنى النوبي (ردفان) قائد التشكيل سابقا وقائد اللواء الخامس.
وتملك الألوية منظومة طيران مسيّر متقدمة، سبق استعراضها في فعالية حضرها وزير الدفاع منتصف أكتوبر، وأظهرت طرازات قتالية واستطلاعية غير مأهولة صينية الصنع، وردت عبر الإمارات.
كما ضمت التحشيدات: لواءان (الثالث والسادس) من تشكيل ألوية المشاة، ولواءان من فرع الصاعقة، بينها اللواء 14 بقيادة العميد الركن عثمان حيدرة معوضة (ردفان). وكتائب من قوات "الحزام الأمني".
وانخرطت في العمليات ألوية "الدعم الأمني" بقيادة الحضرمي، ومجموعة ألوية تم استقدامها من خارج حضرموت، لواءان في مديرية الديس والمناطق المحيطة بميناء الضبة النفطي في شحر، ولواءان في منطقة ربوة بالمكلا وأطراف مديرية تريم، ولواء في منطقة الجثمة.
اللواء الأول دعم أمني تم استقدام وحداته من عدن بعد تدريبها في معسكر جبل حديد، قبل نقلها إلى المكلا، ثم الدفع بها لاحقاً إلى مناطق الوادي والصحراء، تحت قيادة فهد محمود المرفدي، وانتشرت وحدات أخرى في منطقة ثمود قرب الحدود السعودية، وأسندت لها مهام الانتشار في محور ثمود الممتد في مديريتي ثمود ورماه على الحدود مع السعودية والسيطرة على مقار ومواقع ومخازن اللواء 315 مدرع بقيادة العميد علي الخضر الدنبوع (من أبين)، واللواء 11 حرس حدود في رماه بقيادة اللواء ركن فرج حسين العتيقي (من شبوة)، وقد سيطرت القوات على المطارات العسكرية واستولت على معدات ودبابات ومدفعية.
كما كُلّف لواء بارشيد بالتقدم نحو مديرية القطن. وهو من أقوى ألوية الانتقالي، يتمركز في مديرية بروم ميفع، البوابة الغربية لحضرموت، ويقوده منذ تأسيسه عام 2016 العميد ركن عبدالدائم الشعيبي (من الضالع)، ومعظم أفراده أيضاً من الضالع..
إلى محافظة المهرة، أُرسلت كتائب قتالية من قوات الأمن الخاصة بقيادة اللواء ركن فضل محمد عبدالله باعش (الوضيع – أبين)، من عدن وفروعها في لحج والضالع، وبصحبتها قوات برية وحرس حدود، ووحدات من العمالقة.
وفي شبوة، دُفع بثلاثة ألوية من "قوات دفاع شبوة" للتقدم والسيطرة على مناطق صحراء عرماء وجردان وأطراف عسيلان على حدود مأرب. كما كُلّف اللواء الثاني بقيادة وجدي باعوم بالتقدم في مناطق دهر ورخية والضليعة الحدودية بين حضرموت وشبوة. وشاركت ألوية المشاة والصاعقة والدعم التي استُقدمت إلى شبوة من الضالع ولحج. وسيطر اللواء الأول بقيادة أحمد عوض العولقي، نجل المحافظ، على قطاع النفط في العقلة بعرماء.
خلال الفترة الأخيرة، أخضع الانتقالي قواته في شبوة لعملية هيكلة وتأهيل واسعة، مع استحداث ألوية جديدة. وقبل أسبوع تم مد قوات دفاع شبوة بعتاد وذخائر، ووفقا لمعلومات فقد تم توزيع مدرعات مع عياراتها ومركبات مدرعة ووسائل نقل وتموين لكل الألوية، فيما كانت وثائق مسربة كشفت عن تلقي الألوية أكثر من 400 مركبة حديثة (طقم) مقدمة من الإمارات تم شحنها عبر منفذ شحن البري.
بحسب المعلومات، انخرطت جميع الأذرع المسلحة التابعة للإمارات في العملية. وشاركت سبعة ألوية وكتائب أخرى من تشكيل "ألوية العمالقة الجنوبية"، وهي قوات سلفية جنوبية يقودها أبو زرعة المحرمي ويعاونه عبدالرحمن العمري. ومن بين هذه الألوية: اللواء الأول (فرقة أولى)، واللواء 6، و23، و51، إضافة إلى كتائب من الفرقة الرابعة كُلّفت بمهام في الوادي والصحراء، ولواءين من العمالقة أُرسلا إلى المهرة. كما تم سحب بعض الألوية من مديريات شبوة.
أيضا، شاركت كتائب عمالقة من ألوية "محور سبأ" المتمركزة في حريب مأرب بقيادة الشيخ عبدالهادي نمران المرادي، في القتال أيضاً إلى جانب "دفاع شبوة".
وتتحدث مصادر أن الإمارات طلبت من العميد طارق صالح، قائد "قوات المقاومة الوطنية" المتمركزة في المخا غرب تعز وجنوب الحديدة، إرسال قوات للمشاركة في العملية، التي وصفها طارق بأنها "ترتيب مسرح العمليات" ضمن الاستعداد لمعركة صنعاء. ولاحقاً، استُدعي طارق صالح إلى الرياض للتشاور مع السعوديين، ولقاء رئيس المجلس الرئاسي وقائد قوات التحالف، وقام بزيارة خاطفة إلى الإمارات.
التصعيد الميداني
مع مطلع الأسبوع الأول تصاعد التوتر وتدحرجت الأوضاع سريعاً. دفع الانتقالي بأنصاره إلى تظاهرات بحثاً عن غطاء وتأييد شعبي، وبالتزامن مع وصول المحافظ الخنبشي إلى المكلا دعا الانتقالي إلى تظاهرات "مليونية". وبلغت الحملات الإعلامية والدعائية أعلى مستوياتها.
وخلال الأسابيع الأخيرة، وصلت الحملات الموجهة ضد قوات المنطقة العسكرية الأولى المتمركزة في سيئون إلى ذروتها. رغم أن هذه الحملات لم تتوقف منذ سنوات، فإنها شهدت تصعيداً استثنائياً عبر اتهام المنطقة بالإرهاب والتهريب، قبل أن يضيف خطاب الانتقالي ادعاءات بوجود خلايا من "الشباب" الصومالية.
وتعد المنطقة العسكرية الأولى القوة الوحيدة التي نجت من سيطرة الحوثيين وتنظيم القاعدة. وهي قوات وطنية نظامية تخضع لوزارة الدفاع، يتشكّل قوامها البشري من مختلف المحافظات، موزعين على خمسة ألوية رئيسية مدرعة، ولواء شرطة جوية، وكتائب مستقلة، وكتيبة شرطة عسكرية. وظلّت خلال الحرب تعمل في نطاق عمليات قوات التحالف وبالتنسيق التام مع قيادة القوات المشتركة ومفرزة قوات الواجب السعودية المتمركزة في سيئون.
تولى قيادة المنطقة منذ فبراير 2016 ضابطان من محافظة أبين: اللواء ركن صالح طيمس، واللواء ركن صالح الجعيملاني. وتضطلع المنطقة بمهام تأمين الشريط الحدودي والطرق الدولية ومطار سيئون والمنشآت الحيوية، ومحاربة التهريب النشط في المناطق الصحراوية. ويمتد نطاق عملياتها في مديريات الوادي والصحراء غرباً وشمالاً ضمن جغرافيا تقدر مساحتها بنحو 118 ألف كيلومتر مربع.
وفيما تتكرر اتهامات المجلس الانتقالي لقوات المنطقة الأولى بدعم الإرهاب، يقول ضباط خدموا في المنطقة، إن القوات خاضت مواجهات مع تنظيمي القاعدة وداعش منذ عام 2015، وخسرت فيها ما يزيد على 600 قتيل ونحو ألف جريح من ضباطها وأفرادها.
تحرك الرياض
القيادة السعودية التي كانت ترصد التحشيدات الانتقالية نحو حضرموت بوصفها عمقاً حيوياً، بدأت التحرك لاحتواء "التقدم الجريء". وربما قدرت الموقف بشكل أقل مما كان عليه في الواقع وحرصت على عدم مقابلة تحشيدات الانتقالي بشكل مماثل وتفضيل مسار الاحتواء والانخراط في الوساطة.
وبحلول مساء يوم الاثنين، بدا أن الهدف لا يتوقف عند مسألة بن حبريش. وتقول معلومات إن الديوان الملكي أجرى اتصالات مباشرة مع القيادة الإماراتية وجهات معنية بالملف اليمني. وفي مساء اليوم التالي، تسربت معلومات عن ابتعاث المملكة موفدين لحمل رسالة إلى أبوظبي، بالتزامن مع تكليف لجنة وساطة لزيارة حضرموت.
ومع تعقد الوضع، قرّرت الرياض إيفاد فريق عسكري وأمني رفيع على رأسه اللواء محمد القحطاني، رئيس "اللجنة الخاصة" المعنية بملف اليمن في مجلس الوزراء منذ عقود، وبرفقته اللواء فلاح الشهراني، المشرف على ملف قوات "درع الوطن" وقوات الطوارئ اليمنية في القيادة المشتركة. وتعد هذه – بحسب ما يرد في المعلومات – أول مرة يُنتدب فيها القحطاني في مهمة معلنة، مع إيفاد لجنة بهذا المستوى من التمثيل.
اجتياح سيئون
فور علمها بموضوع لجنة الوساطة، استبقت الإمارات وصولها بتفجير الموقف، ووجّهت قواتها لاجتياح مدينة سيئون بهجوم خاطف ومتزامن، بعد ساعات من صدور توجيهات رئاسية أصدرها رشاد العليمي إلى وزير الدفاع والجهات العسكرية والأمنية والمحافظين بمنع تحرك أي قوات أو تعزيزات إلى حضرموت.
ومع هبوط طائرة الوساطة السعودية في المكلا صباح الأربعاء، كان الانتقالي يعلن سيطرته على القصر الجمهوري ومقار المنطقة العسكرية الأولى في سيئون، ثم استمر زحف قواته في مديريات الوادي والصحراء. وفي الوقت الذي حط فيه القحطاني في قصر المكلا، كانت قوات الانتقالي تقتحم مقر مفرزة القوات السعودية في قيادة المنطقة الأولى بسيئون.
على الأرض، كان قائد المنطقة وبعض الضباط قد عملوا على تعزيز النقاط على الطرق الرئيسية الممتدة في جغرافيا واسعة، وأُنجزت تحصينات دفاعية محدودة بموجب تعليمات من رئاسة هيئة الأركان وبالتنسيق مع الأشقاء"، تقول المصادر، رغم انقطاع التواصل مع وزير الدفاع محسن الداعري، وعدم ورود أي تعليمات واضحة من القائد الأعلى بخوض معركة.
ويقول ضباط من المنطقة تحدثوا لـ"ديفانس لاين" إن النقاط الرئيسية عُززت بمجموعة جنود ودبابة ومدرعة لكل موقع، لكن لم تُبنَ تحصينات وسواتر كافية، ولم تُشكّل أنساق دفاعية مكتملة. ويشيرون إلى تفوق تسليح القوات الإماراتية، خصوصاً في الطيران المسيّر، الذي حسم المواجهة في لحظاتها الأولى عبر استهداف بعض النقاط والمواقع، إلى جانب التمشيط المدفعي وصواريخ حرارية موجهة. وفي الوقت نفسه، بدأت مجاميع مسلحة بالانتشار داخل المدينة وخلف مواقع تمركز الجيش.
يضيف الضباط أن قوات إماراتية متمركزة في معسكر جبل جثمة –وهو معسكر استراتيجي شديد التحصين أنشأته الإمارات منذ عام 2020، ويطل على سيئون ويتحكم بأحد المداخل الرئيسية الثلاثة للوادي– كان لها دور حاسم في تسهيل دخول القوات عبر التمشيط المدفعي والاستطلاع الجوي. ويقولون: "كانت قواتنا مكشوفة، وفقدنا الاتصال بقيادة المنطقة".
يتحدث ضابط آخر عن فقدان السيطرة عملياتياً مع انقطاع التعليمات من قيادة المنطقة، وغياب القائد لنحو ساعتين قبل الهجوم. وتتكفل قوات الانتقالي لاحقاً – وفق ما يرد في المعلومات – بتأمين سفر اللواء صالح الجعيملاني وعائلته إلى عدن، وإصدار تعليمات بتسهيل عبور موكبه وحراسته وترتيب وضعه. وتشير معلومات إلى اتفاق أبرمه الانتقالي والإمارات مع الجعيملاني عبر رسالة واتصال مباشر حملها وسيط قبل ساعات قليلة من بدء الاقتحام.
وتضيف المعلومات أن "صفقة" مشابهة أُبرمت مع رئيس أركان المنطقة عامر بن حطيان، الذي استُضيف قبل أسبوع لدى الإماراتيين في الريان، ومع مدير الأمن عبدالله بن حبيش الصيعري، الذي سافر للعلاج في مصر والتقى ضباطاً، وربما سافر إلى الإمارات، ثم عاد ليلة الهجوم. وكذلك مع وكيل الوادي والصحراء عامر العامري، المعين في ديسمبر 2022 خلفاً لعصام بن حبريش.
ومنذ فترة تم تسويق "قوات درع الوطن"، وهي قوات سلفية مدعومة سعوديا وتخضع كليا لإشراف قيادة القوات المشتركة، وشُكلت اسمياً كاحتياطي تابع للقائد الأعلى، كقوات بديلة للقوات الوطنية بالوادي والصحراء. ووفقا لمصادر فقد طرحت مقترحات بتأطير ألوية الدرع تحت قيادة المنطقة.
ضحايا
تحدث بيان لرئاسة هيئة الأركان اليمنية عن مقتل 32 وإصابة أكثر من 45 من ضباط وأفراد الجيش في المنطقة العسكرية الأولى خلال الهجوم الانتقالي، مشيراً إلى أعمال تصفية طالت أسرى وجرحى من الضباط والجنود.
الاقتحامات والسيطرة شملت مواقع تتبع "قوات درع الوطن" المدعومة سعودياً. وهاجمت قوات الانتقالي قوات "الدرع" التي كانت قد تسلّمت مقر ومواقع اللواء 37 مدرع في منطقة الخشعة بمديرية حورة، وقامت بإنزال أعلام كانت "الدرع" قد رفعتها على النقاط. وانسحبت قوات "الدرع" دون اشتباك، تاركة مخازن اللواء غنيمة لقوات الانتقالي.
القحطاني أعلن خلال لقاء رسمي بقيادة المحافظة رفض بلاده ما حدث في حضرموت، والمطالبة بخروج أي قوات عسكرية أو عناصر أمنية وصلت من خارج المحافظة.
وفي ذلك اليوم، نجح الوفد –بحسب ما يرد في السرد– في إبرام صفقة اتفاق بشأن ملف بن حبريش، وُقّعت بين السلطة المحلية وزعيم الحلف، الذي أعلن موافقته والتزامه. لكن قبل ساعات من بدء تنفيذ الاتفاق فجر الخميس، دفعت الإمارات قواتها لتفجير الموقف ومهاجمة قوات الحلف وطرد بن حبريش، وتسرّبت صور عن انتهاكات واقتحامات منازل وممارسات وُصفت بالوحشية بحق الجنود الأسرى، بينما دفع الانتقالي بقواته في اتجاه محافظة المهرة.
وتواصلت تحشيدات الانتقالي نحو العبر، حيث تنتشر قوات اللواء 23 ميكا الذي صدرت توجيهات رئاسية بنقلها وإحلال قوات الدرع في مواقعها.
فيما استمرت جهود اللجنة السعودية لكبح تقدم الإمارات نحو منفذ الوديعة والاقتراب من الحدود. وفي هذا السياق، حلّقت مقاتلة سعودية يومها فاتحة حاجز الصوت في سماء العبر، بوصفها رسالة تحذيرية، وبهدف مساعدة القوات الوطنية على إكمال سحب عتادها ومنع محاولات السطو على الأسلحة، فيما عززت السعودية حماية معسكراتها.
ومن حضرموت، بدأ الانتقالي في حشد قواته إلى المهرة الحدودية مع سلطنة عمان في أقصى الشرق اليمني، والتي سيطر عليها لاحقاً، كما توسع شمالاً حتى وصل معسكر ثمود، في المنطقة الواقعة بالقرب من الحدود السعودية.
سياسيا، وبعد يومين من الصمت في عدن، غادر رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي العاصمة المؤقتة، ونشر أول تصريح له أكد فيه رفض "الخطوة الأحادية"، وطالب بعودة القوات من حضرموت، وهو الموقف الذي حشد لقوله أيضا سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وسفراء الدول الخمس. وهو موقف يتطابق مع موقف السعودية التي رفعت صوتها منذ الاجتياح وأكدت أنه يجب خروج القوات، وتسليم قوات درع الوطن، مع استمرار نقل قوات الدرع من عدن ومحافظات جنوبية إلى صحراء العبر والوديعة بحضرموت.
ورغم نزول لجنة عسكرية سعودية إماراتية إلى عدن، قال مصدر في مجلس القيادة الرئاسي، ووسائل إعلام سعودية، إنها نزلت لترتيب آلية الانسحاب، ما زال المجلس الانتقالي يؤكد أن قواته لن تنسحب، وفي آخر تصريح للمتحدث باسمه أنور التميمي، قال إن مجلسه "هو الشرعية في الجنوب"، وإن ما قامت به قوات المجلس تم بعلم التحالف ممثلاً بالسعودية والإمارات.
المصدر : ديفانس
اليمن الكبير || عين اليمن "عدن"




التعليقات