اتخذت ميليشيات الحوثي المتحالفة مع إيران من تهمة «التخابر» ذريعة لتبرير موجة جديدة من القمع ضد المجتمع اليمني في مناطق سيطرتها، حيث تحوّلت هذه التهمة إلى أداة جاهزة لاعتقال الموظفين الأمميين، وعاملي المنظمات الدولية، وإسكات الأصوات المستقلة، وتصفية المعارضين، والتضييق على المفكرين ودعاة السلام.
وخلال الأسابيع الماضية، كثّفت الميليشيا من استخدام القضاء والإعلام والأجهزة الأمنية لإخضاع المجتمع تحت مظلة الخوف والترهيب، في مؤشر يعكس استمرار منهجها في تسييس القضاء وتحويله إلى آلة قمع تنطلق من خطاب "الحق الإلهي" الذي تتبناه الجماعة.
تصعيد بعد الضربة الإسرائيلية
وعقب الاختراق الإسرائيلي الذي أدّى إلى مقتل عدد من أبرز قادة الجماعة، بمن فيهم رئيس حكومتها وتسعة من وزرائها ورئيس أركانها، أطلقت الميليشيا يد أجهزتها القمعية لشنّ حملات اعتقال واسعة طالت موظفين أمميين، وعشرات المدنيين والناشطين في صنعاء وذمار وإب.
وفي أحدث فصول التصعيد، طالبت النيابة العامة الحوثية في صنعاء بإعدام 21 مواطناً يمنياً بتهمة التجسس لصالح “جهات خارجية”، في ثاني جلسة من نوعها خلال 72 ساعة، في إطار سلسلة محاكمات يصفها حقوقيون بأنها صورية ومعدة مسبقاً.
ووفقاً لإعلام الجماعة، عقدت المحكمة الجزائية المتخصصة جلسات للنظر في “قضايا خلايا التخابر مع دول العدوان”، زاعمة أن المتهمين ضمن شبكة تجسسية يديرها “الموساد”. وتجاهل إعلام الجماعة الإشارة إلى محامي الدفاع أو ظروف الاحتجاز، وسط تأكيد حقوقيين أن “الاعترافات” انتُزعت تحت التعذيب.
ذمار تحت مقصلة الانتهاكات
في السياق ذاته، كشف تقرير حديث صادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات عن أكثر من 24,827 انتهاكاً ارتكبتها ميليشيات الحوثي في محافظة ذمار وحدها بين يناير 2015 ونوفمبر 2025، في مؤشر يُبرز أن العنف بات سياسة ممنهجة للجماعة.
وبحسب التقرير، شملت الانتهاكات:
-
536 قتيلاً بينهم 53 طفلاً و37 امرأة
-
نحو 300 جريح
-
22 عملية اغتيال استهدفت مشايخ وسياسيين
-
689 مختطفاً لا يزالون في سجون الحوثيين
-
افتتاح 26 سجناً و30 مقبرة جديدة
-
تفجير 39 منزلاً و6 متاجر ودار لتحفيظ القرآن
-
تجنيد 4781 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً
-
مقتل 2019 طفلاً منهم في الجبهات
-
274 حالة تعذيب و18 حالة اغتصاب بينهم نساء وأطفال
ويشير التقرير إلى أن ذمار، التي كانت تُعرف بمدينة “العلم والمثقفين”، تحوّلت تحت قبضة الحوثيين إلى “سجن كبير” يخضع لإدارة أمنية صارمة تتعامل مع السكان باعتبارهم خصوماً محتملين.
اعتقال رموز الفكر والسلام
وفي العاصمة صنعاء، صعّدت الجماعة قمعها ليطال رموزاً أكاديمية بارزة، حيث اعتقلت الميليشيا البروفسور حمود العودي (80 عاماً)، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، مع رفيقيه عبد الرحمن العلفي وأنور خالد شعب.
ويرى حقوقيون أن سبب الاعتقال مرتبط بندوة فكرية تناولت قيم الديمقراطية والتعددية، إضافة إلى مقال كتبه العودي انتقد فيه الطائفية السياسية وأشاد بالتجارب الديمقراطية الغربية—وهو ما اعتبرته الجماعة “تحريضاً” ضد مشروعها العقائدي.
وقد أثارت الحادثة موجة استنكار واسعة من سياسيين وأكاديميين ومنظمات حقوقية، وصفوها بأنها "جريمة فكر" وانتهاك صارخ للدستور.
المفارقة أن الانتقادات وصلت حتى من داخل الجماعة، إذ وصف القيادي الحوثي سلطان السامعي عملية الاعتقال بأنها «عار»، في مؤشر على اتساع دائرة السخط الداخلي تجاه ممارسات جهاز الأمن والمخابرات الحوثي.




التعليقات