شنت حملة فاشلة لمصلحة خصمه.. الاعلام الغربي يخسر معركة العناوين و"الأغلفة " ضد أردوغان

خسر الاعلام الغربي معركته التي شنها ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فاز في الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت الأحد 28 مايو.

وتصدر أردوغان أغلفة وعناوين مجلات وصحف بارزة، وكرست تغطيتها بشكل منحاز وبدت كما لو أنها تعمل في إطار الحملة الدعائية لمرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو.

لكن تغطية الاعلام الغربي تغيرت بعد نتائج الجولة الأولى التي أظهرت أن أردوغان مقبل على فوز مريح في الجولة الثانية.

ورصد الباحث حسن قطامش بشكل مفصل في مقال بموقع تبيان كيفية تناول المجلات الغربية التي صدرت قبيل الانتخابات، وقال إن "تاريخ العلاقة بين معظم المجلات الغربية -من خلال رصدي ومتابعتي- ومنذ تولي الرئيس التركي أردوغان رئاسة الوزراء في 2003 هو تاريخٌ واضح الكراهية والعداء الظاهر والباطن، دون مواربة أو حتى من طرف خفي".

وحسب الرصد الذي قام به الباحث، نجد مجلة (لكسبيرس) الفرنسية الأسبوعية تُصدِّر غلاف عدد 4 مايو 2023 بصورة أردوغان مع عنوان: "أردوغان.. وخطر الفوضى.. تركيا وانتخابات كل المخاطر".

أما مجلة (لوبوان) الفرنسية الأسبوعية أيضا فصدرت كذلك عدد 4 مايو 2023 بصورة الرئيس التركي وكتبت: "أردوغان.. بوتين الآخر، تهديدات الحرب والتوسع وكراهية الغرب".

وفي 6 مايو صدرت مجلة الإيكونوميست تحمل عنوانا فرعيا: "على أردوغان أن يرحل"، وهو ما أثار جدلا واسعا علق عليه الرئيس التركي ووزير الخارجية وكبار المسئولين الأتراك.

وفي نفس اليوم 6 مايو 2023 صدر العدد الجديد من مجلة ديرشبيجل الألمانية وعلى الغلاف صورة لأردوغان يجلس على كرسي الحكم المحطَّم ويعلوه هلال منكسر وكُتب: "الذي لا يُقهر" بخط متحطم إشارة إلى أن "الذي لا يُقهر" سوف يُقهر!! ثم كُتب في العنوان الفرعي: "رحيل أم فوضى.. ماذا سيحدث إذا خسر أردوغان‎؟".

وبعد ذلك بيوم واحد وفي يوم 7 مايو صدر عدد مجلة (بروفيل) الأسبوعية النمساوية التي تصدر بالألمانية، وعلى غلافها صورة لأردوغان وهو على وشك السقوط من الهلال الذي يتعلق به وكتبت: "مصير أردوغان.. هل سنتخلص منه أخيرا!؟".

وإن كانت المجلة النمساوية قد عبرت في الغلاف عن أمنيتها بالتخلص النهائي من أردوغان لكنها جزَمت برحيله في الكلمة الصغيرة داخل العدد، والتي جاءت تحت عنوان صريح: "وداعـــا يـا أردوغـــان" وقالت: "يجب على رئيس تركيا أن يخشى على قبضته على السلطة".

حوى عدد المجلة النمساوية ملفا حول الانتخابات التركية وجاء المقال الأول بمثابة إغراء أوروبي للأتراك تشجيعا لهم على التصويب ضد أردوغان، وجاء تحت عنوان: "هل تركيا مرحب بها لدينا"؟ جاء فيه: "يمكن لتركيا التخلي عن استبداد أردوغان في 14 مايو والعودة إلى الديمقراطية، وستكون النتيجة المنطقية استئناف مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

والإغراء هنا كان استعلائيا جدا، فهو مجرد وعد باستئناف مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وليس الانضمام!

 

الألمان: سنقهر الذي لا يُقهر!

في 1 إبريل 2023 وضمن عدد مجلة ديرشبيجل الألمانية ورد مقال تحليلي تحت عنوان "حدود القدرة المطلقة.. قبل شهر ونصف من الانتخابات، يبدو الرئيس أردوغان محطما، وللمرة الأولى منذ 20 عاما، لدى المعارضة فرصة لهزيمته".

قالت: "على مدى العقدين الماضيين، بدا أن هناك قاعدة غير مكتوبة في السياسة التركية، أنه بغضِّ النظر عن أي شيء، سوف يفوز رجب طيب أردوغان في نهاية المطاف، لقد فاز الحاكم التركي باثني عشر انتخابات برلمانية ورئاسية وإقليمية وثلاثة استفتاءات، ونجا هو وحزبه من أمور كثيرة منها محاولة انقلاب عسكري، وللمرة الأولى منذ تولِّيه منصبه في عام 2003، لم يكن أردوغان هو المفضل للشعب التركي، وتضع جميع استطلاعات الرأي تقريبا مرشح المعارضة، زعيمَ حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، في الصدارة بنسبة تصل إلى 13 نقطة مئوية، وتُعد انتخابات مايو أهم انتخابات في التاريخ التركي الحديث. لقد حكم أردوغان تركيا منذ 20 عاما، أولا كرئيس للوزراء، ومنذ عام 2014 كرئيس، وقد منح المسلمين المتديِّنين المزيد من الحقوق، وقام بتحديث البنية التحتية، وعزَّز دور تركيا كقوة إقليمية، لكن في السنوات الأخيرة هدَم الكثير مما بناه، فقد أفرغ مؤسسات الدولة، ويعاني الاقتصاد من أزمة خطيرة، وإذا أُعيد انتخاب أردوغان في 14 مايو، يخشى النقاد أن تكون هذه هي الانتخابات الأخيرة في المستقبل المنظور.. ثم، كما وصفت مجلة الإيكونوميست البريطانية مؤخرا، يمكن لأردوغان أخيرا تحويل البلاد إلى نظام استبدادي.. إن أردوغان يواجه الآن حرفيا أنقاض حكمه!".

وبعد شهر تقريبا وفي 6 مايو 2023 صدر عدد ديرشبيجل بعنوان: "الذي لا يقهر.. رحيل أم فوضى.. ماذا سيحدث إذا خسر أردوغان؟"، وقد احتوى عددا من المقالات حول الانتخابات التركية.

في البداية تساءلت المجلة: "تُواجه البلاد انتخابات رئاسية وبرلمانية هامة، وللمرة الأولى منذ 20 عاما، ولدى المعارضة فرصة جيدة لاستبْدال رجب طيب أردوغان الذي حكم البلاد لفترة طويلة، فما الذي خيَّب آمال مؤيدي أردوغان بشأن معبودهم السابق؟ وهل ما زال الأتراك يريدونه؟".

 

صدمة أردوغان

وتحت مقال بعنوان "مأخوذة على حين غرة" قالت: "رجب طيب أردوغان في السلطة منذ أكثر من 20 عاما، نعم لقد جلب الرخاء للأتراك، ولكن جلب القمع أيضا، لكن الآن يمكن التصويت على جعل الرئيس الأبدي خارج منصبه".

"لقد شكَّل أردوغان تركيا بشكل لم يسبق له مثيل منذ مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك، لكن الآن، ومع ذلك، ولأول مرة، عليه أن يقلق كثيرا ويخاف من عدم إعادة انتخابه، لأن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو".

"وفي غضون 100 عام منذ وجودها، تقف الجمهورية التركية عند مفترق طرق: فإذا أعيد انتخاب أردوغان، يخشى المراقبون أن يحوّل البلاد إلى دكتاتورية، ويمكنه أن يصبح حاكما مدى الحياة، ويلغي الانتخابات، ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان أردوغان سيقبل الهزيمة أو ما إذا كان سيتمكن من تأْليب مؤيديه ضد خليفته، مثل دونالد ترامب في عام 2021، وقد حذر وزير داخليَّته بالفعل من أن الغرب قد يُحوِّل انتخابات 14 مايو إلى انقلاب".

 

وقالت المجلة الألمانية:

"ما سيحدث في تركيا له أهمية كبيرة أيضا بالنسبة لألمانيا وأوروبا، فالبلد شريك في الناتو ومرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهي تستوعب ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ من سوريا، وفي حرب أوكرانيا، كان أردوغان تقريبا رئيس الدولة الوحيد الذي تربطه علاقات وثيقة بكلٍّ من كييف وموسكو، وأخيرا وليس آخرا، يعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي في ألمانيا، ويمكن أن يكون للصراعات في تركيا تأثير سريع على السياسة الداخلية الألمانية".

 

أردوغان.. حطام سلطة

وتحت هذا العنوان الفرعي في المقال قالت المجلة:

"وعَد أردوغان بالحكم بكفاءة عندما قدَّم النظام الرئاسي في استفتاء عام 2017، لكن كارثة الزلزال كشفت عن ضعف دولة الفرد الواحد، فالخبراء مقْتنعون بأن الكثير من الناس ماتوا لأن شركات البناء لم تقم ببناء منازل مقاومة للزلازل كما هو مطلوب، ومقاولو البناء هم مِن بين الجهات المانحة الرئيسية لحزب العدالة والتنمية، كما وصل رجال الإنقاذ في وقت متأخر إلى منطقة الكارثة لأن المسؤولين في السلطات أصيبوا بالشلل في انتظار أوامر من الرئيس"!!.

وأعلنت الحكومة أنها ستستبدل المنازل المدمرة بمنازل جديدة خلال عام، وكتب على ملصق انتخابي لأردوغان في أديامان: "الزعيم يفعل ما يجب فعله" لكن يشكو الأتراك المتضررون من أنه حتى الآن لم تصل أي مساعدة تقريبا، ويقولون: ليس لدينا مكان نعيش فيه وليس لدينا عمل ولا نعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك…

 

جيلُ أردوغان يتمرَّد

وتحت هذا العنوان الفرعيِّ تقول مجلة ديرشبيجل:

"حتى في معقل حزب العدالة والتنمية مثْل (قيْصري) وسط تركيا، لم يعد أردوغان متأكدا من دعم الناخبين، وهناك من يريد التصويت للمعارضة، وأغلبهم من الشباب الذين فقدوا الثقة في الحكومة، ووفقا لمسح أجري عام 2021 فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع الأتراك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25 عاما سيغادرون البلاد إذا استطاعوا"!

"بالنسبة لآباء هؤلاء الشباب، فإن أردوغان بطل، فهو داعية مسلم، إنه والد الأمة، إنهم يعبدونه مثل الإله! لكن الشباب يرون أن الرئيس يمثل المشكلة الحقيقية، فقد سلب البلاد وأخذ حريتهم بعيدا".

 

أوغلو: هل يمكنه هزيمة الذي لا يقهر؟

ثم تشرع المجلة الألمانية في الحديث عن (كمال كيليجدار أوغلو) المنافس الرئيسي لأردوغان في الانتخابات الرئاسية، فتقول:

"الرجل الذي يريد أن يسجل نفسه في التاريخ باعتباره المنتصر الذي قهر أردوغان الذي كان لا يقهر سابقا، يستقبل الضيوف في مقر حزب الشعب الجمهوري في أنقرة، مكتبه كبير ومشرق وودود…

وفي فيديو على موقع تويتر في أبريل الماضي صرح بحقيقة غير مألوفة حيث قال: «أنا علوي» وبذلك كسر المحرَّمات، حيث ينتمي معظم الأتراك البالغ عددهم 85 مليونا إلى الإسلام السني، ينتمي كيليجدار أوغلو إلى الأقلِّية العلوية، ويقدَّر عددهم بما يصل إلى 25 مليونا، وعلى عكس السنة والشيعة، لا يذهب العلويون إلى المسْجد ولا يحجُّون إلى مكة ولا يصومون في رمضان، وقبل كل شيء، يعبدون صهرَ النبي محمد عليًّا ونسلَه".

"في الماضي، لم يكن لدى السياسي العلوي ما يكسبه بالحديث عن أصوله، لكن كيليجدار أوغلو قرر اتخاذ نهج عدواني تجاه الموضوع وحقق نجاحا باهرا في التصريح الذي جاء في فيديو قصير، لقد كانت ثلاث دقائق مؤثرة للغاية، ومثلت لمنافس أردوغان لحظةَ أوباما نوعا ما، ففي تركيا لم يتقلَّد علوي منصبا حكوميا رفيعا خلال مائة عام وهي عمر الجمهورية، لكن الآن لم يعد الأمر مستبعدا".

"لقد قاد أردوغان تركيا بعيدا عن الغرب، وكان أقرب إلى روسيا والصين، لكن في ظل حكم كيليجدار أوغلو، من المحتمل أن تتخلى أنقرة عن حصارها لانضمام السويد إلى الناتو، وتسريع المفاوضات حول توسيع الاتحاد الجمركي، حتى استئناف محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أمر يمكن تصوره، وربما تكون أعظم مهمة لكيليجدار أوغلو، إذا أصبح رئيسا، هي إحلال السلام في المجتمع، فلا يكاد يوجد أحد في تركيا لا يتحسر على الاستقطاب والتخندق والانقسام".

 

هل سنرى نهاية أردوغان؟

ثم ختمت مجلة ديرشبيجل ملفها عن تركيا بمقال رأي للمعارض التركي المقيم في ألمانيا (جان دوندار) رئيسِ تحرير صحيفة (جمهوريت) السابق، والمحكوم عليه غيابيا بالسجن 27 عاما بتهمة التجسس وإفشاء أسرار الدولة ومساعدة تنظيم إرهابي، وقد أعْطته أهم مجلة ألمانيَّة كل هذه المساحة الطويلة ليكتب فيها ما يحلو له!

جان دوندار كتب مقاله تحت عنوان: «عندما يأتي اليوم.. إما أن يؤسس أردوغان نظاما شموليا بعد الانتخابات، أو تتم الإطاحة به ويُفتح باب الديمقراطية مرة أخرى..» ونلخص ما جاء فيه:

"لأشهر، ظل ملايين الأشخاص في تركيا يعُدّون الأسابيع والأيام والساعات كما لو كان العد التنازلي للحظة التي يبدأ فيها العام الجديد، اللحظة التي تنفجر فيها الألعاب النارية، في هذه الحالة هي 14 مايو 7 مساء، في هذا اليوم، في هذه الساعة، سيتم الإعلان عن النتائج الأولى للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، وفي الصباح التالي -بغض النظر عن النتيجة- ستكون نقطة تحوّل في تاريخ الجمهورية الذي يقارب المائة عام القادمة: إما أن يؤسس أردوغان نظاما شموليا، أو تتم الإطاحة به ويُفتح باب الديمقراطية مرة أخرى.. بالنسبة لنا هذا أكثر من اختيار، إنه استفْتاء بين العبودية والحرية، بين القديم والجديد، بين الحداد والرقص!

كتب لي أحد أصدقائي في السجن: ستحدد هذه الانتخابات قدْرتي على رؤية والدتي مرة أخرى. وستحدِّد نتيجة تلك الليلة ما إذا كان سيقضي بقيةَ حياته خلف القضبان، وقال أحد النواب إنه بعد الإدلاء بصوته سينتظر النتائج على جزيرةٍ في بحْر إيجه، إنه قلق من أنه إذا فاز أردوغان مرة أخرى، فقد تبدأ الاعتقالات في نفس الليلة! وقال أحد زملائي، وهو منتج تلفزيوني، إنه إذا لم تفز المعارضة في تلك الليلة، فسوف يقوم بتصفية شركته والانتقال إلى ألمانيا مع عائلته، وقال صديق لي يعيش في المنفى في ألمانيا: بناء على نتيجة الانتخابات، سأبحث عن تذكرة طائرة للعودة إلى تركيا، أو إلى موقع دفن في برلين..".

ويتابع جان دوندار: "سوف نقضي بقية حياتنا يخشى الكثير منّا أن تكون هذه هي "الانتخابات الأخيرة في تركيا"، ويعتقد الكثيرون أنه إذا انتصر أردوغان مرة أخرى -على الرغم من اشمئزاز قطاعات من السكان ضده، على الرغم من الفقر المتزايد، وعلى الرغم من الصدمة التي أعقبت الزلازل الأخير، على الرغم من المعارضة الموحَّدة- فإن هذا البلد لن يعود أبدا إلى الديمقراطية..

إذا بقي أردوغان في السلطة، فسيتم نفْيي في ألمانيا لفترة أطول، وستشهد ألمانيا حركة هجرة جديدة، وسيزداد عدد سكان المنفى لدينا.. أما إذا أُطيح به، فإن البلاد ستتحول إلى مهرجان.. "عندما يأتي هذا اليوم" سيرقص الجميع في الشوارع، وأتمنى أن أكون جزءًا من هذه الرقصة لأنني أفتقد ابتسامة بلدي أكثر من غيرها، ولأن سكَّان هذا البلد الشاسع، الممتد من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط، من الحدود البلغارية إلى الحدود الإيرانية، يرتدون قناعا كئيبا، فالضحك عارٌ، وشرب الخمر خطيئة، والاستمتاع ممنوع، لقد سقطت سحابة سوْداء على الأناضول، ونسي المجتمع كيف يضحك!!

ابني عمره 27 سنة، وطالما يتذكَّر أنه لم ير قط أي زعيم غيْر أردوغان، ابني من هذا "الجيل الضائع" الذي يريد السفر إلى الخارج بعد أن سحق عنف الشرطة المقاومةَ التي بدأوها في عام 2013 لحماية حديقة جيزي في إسطنبول، وأما أولئك الذين يستطيعون الرحيل فقد فعلوا.. ولكن هل يريدون العودة إلى «تركيا الجديدة"؟ كيف سيتم استقبالنا نحن المنفيين عند عودتنا؟ مع شعارات ولعنات "ارجع"..؟ أو بأذرع مفتوحة وبالزهور..؟ كيف ستهدأ الكراهية التي أثيرت منذ عشرين عاما؟".

ويُكمل: «هناك فوضى كبيرة تنتظرنا، والتوقعات الضخمة للجماهير الفقيرة هي التي ستحدد جدول الأعمال، عندما ينهار نظام القمع الذي يتبعه أردوغان، وسيعود بفخرٍ إلى الواجهة أولئك الذين تم نبذهم وإهانتهم وتشويههم على مدى السنوات العشرين الماضية، أما بالنسبة لأولئك الذين لم يتمكَّنوا من الصمود أمام القمع أو الذين انحازوا للحكومة بدافع الجشع من أجل المال، فـ «سيبدأ وقت الندم»!! كم مرة بعد مراحل القمْع سوف يغيّرون مواقفهم بسرعة ويصبحون أكثر المدافعين المتحمِّسين عن الحكومة الجديدة ويتهموننا بأننا استمتعنا بالأوقات الصعبة في أوروبا..

ستبدأ تركيا ما بعد أردوغان أيضا عمليَّة التعافي بعد الدمار الشديد الذي عانت منه، وسيتم كتابة عقد اجتماعي جديد، وتعود مؤسسات الدولة التي وقعت تحت قيادة الحزب إلى الاستقلال مرة أخرى، وسيضمَن أن الدين لم يعد أداة سياسية في يد مستبدٍّ، وأن القوة لا تتركز في يد واحدة، وأن استقلال القضاة والصحفيين والعلماء والفنانين مصُون، وبحلول 29 أكتوبر، عندما يتم الاحتفال بالذكرى المئوية للجمهورية، سيتم إزالة حطام حكم أردوغان!!

ويختم جان دوندار مقاله ويقول: "بيتي في برلين بالقرب من بقايا الجدار الذي هُدم، كل يوم وأنا أمشي عبر أنقاضه، أكرر عبارة كل جدار ينهار في مرحلة ما» وأتذكر ليلة 9 نوفمبر 1989 يوم انهار جدار برلين، وأقول: قد ينهار جدارنا أيضا ليلة 14 مايو.

في هذه الليلة، وكما يقول المثل المعروف «قد لا تفتح أبواب الجنة.. ولكن أبواب الجحيم قد تغلق"!!

 

أردوغان يجب أن يرحل

ونختم هذه الجولة مع المجلات العالمية وموقفها من الانتخابات التركية. مع مجلة الإيكونوميست البريطانية التي أثارت في عدد 6 مايو جدلا واسعا، عندما صدر العدد الأسبوعي ويحمل الغلاف عنوان:

"أهم انتخابات في 2023" ثم عنوان فرعي على ملصق صغير: "أردوغان يجب أن يرحل"!!

وحظِي عدد الإيكونوميست باهتمام الرئيس التركي أردوغان، ووزير خارجية تركيا، وكبار المسؤولين الأتراك، والآلاف من التغريدات والتعليقات التي تهاجم المجلة، وخشْية الإطالة سنتجاوز الاستعراض المفصَّل لتاريخ تطور العداء بين المجلة البريطانية وتجربة تركيا مع أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فقد قمتُ برصد موقف المجلة من تركيا كقضية غلاف منذ 2002 إلى اليوم، وكان من اللافت جدًّا تصاعد لهْجة العداء كلما حقق أردوغان وحزبه مكاسب مهمة في أي مجال، وبدون تحليل معمَّق لنص الموضوعات التي طرحتها المجلة، يمكن الكشف عن هذا التصاعد بسهولة، ففي عام 2002 وقبل تولي أردوغان رئاسة الوزراء وحكم تركيا بعام كان غلاف العدد بعنوان "تركيا تنتمي إلى أوروبا".. تخيّل! ثم وصل الخطاب في 2023 إلى "ديكتاتورية تركيا التي تلوح في الأفق" ثم "أردوغان يجب أن يرحل!"

 

ومما جاء في افتتاحية الإيكونوميست:

"إذا خسر أردوغان فسيكون لذلك انعكاس سياسي مذهل، وعواقب عالمية، وسيكون شعبُ تركيا أكثر حريةً وأقل خوفا وازدهارا بمرور الوقت، ورغم أن تركيا عضوٌ في حلف شمال الأطلسي، إلا أن العلاقات كانت متوتَّرة مع الغرب، وكان أردوغان لاعبا مدمِّرا في الشرق الأوسط، ووسَّع علاقات وثيقة مع روسيا وبوتين، والأهم من ذلك: فإن طرد أردوغان بأسلوب سلمي سيُظهر للديمقراطيين في كل مكان أنه يمكن هزيمة المستبدين".

وتضيف المجلة: "مثْل الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم، عزَّز أردوغان سلطته من خلال إضعاف المُؤسسات التي تحدُّ قدراته وتصحح قرارته، وقام المدعون العامون في عهد أردوغان بترهيب النشطاء والسياسيين بتهم الإرهاب الملفقة، ومن بين السجناء السياسيين في تركيا زعيم الحزب الكردي الرئيسي".

"لكن الرئيس كيليجدار أوغلو [هكذا أطلقت عليه المجلة قبل نتيجة الانتخابات!] يتعهد باحترام أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والبدْء في إطلاق سراح سجناء أردوغان السياسيين، ويتعيَّن على أوروبا أن تستجيب بإحياء برنامج التأشيرات المتوقف منذ فترة طويلة للأتراك، وتحسين قدرة تركيا على الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة".

وتقول: "قد يكون السيد كيليجدار أوغلو مملَّا بعض الشيء، لكنه هو من صنع إجماع المعارضة ضد أردوغان، وهو متواضع بشكل ساحر مقابل خصم!! وإذا كان له أن ينتصر على أردوغان، فستكون هذه لحظة كبيرة لتركيا وأوروبا والنضال العالمي من أجل الديمقراطية الحقيقية".

وتختم مجلة الإيكونوميست الافتتاحية بقولها: "قام أردوغان ببعض الأشياء الجيِّدة في سنواته الأولى في منصبه، لكن التَّراكم المطَّرد للسلطة المفرطة طغى على حكمه وحسِّه الأخلاقي.. أما نحن فنؤيِّد بحرارة كمال كيليجدار أوغلو كرئيس جديد لتركيا".

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية