"الغاز المنزلي" مهمة شاقة لسكان صنعاء وتجارة حوثية تجلب أرباحاً هائلة (تقرير خاص)
"فاروق عبد الله" يلاحقه كابوس انتهاء أسطوانة الغاز في منزلة يومياً بسبب الإجراءات الطويلة للحصول على الغاز، ففي صنعاء ليس من السهولة أن تحصل على الغاز في أي وقت، إلا بسعر مضاعف عبر سماسرة السوق السوداء الذين يتوزعون في كثير من الأحياء والشوارع.
ويفرض الحوثيون في صنعاء وعدد من المحافظات التي يسيطرون سلسلة إجراءات على المواطنين للحصول على "الغاز المنزلي". حيث يتم توزيع الغاز عبر مسؤولين في كل حارة موالين للحوثيين (عُقال الحارات) ويتم اختيارهم عبر سلطات الجماعة في العاصمة، وتكليفهم بعدد من المهمات الأمنية.
وقال فاروق (35 عام) -وهو موظف في القطاع الخاص- الغاز المنزلي أصبح مصدر قلق للكثير من الناس في صنعاء، لأنه يمكن أن تنتهي عبوة الأسطوانة في أي لحظة، الحصول على أسطوانة أخرى ليس متاحاً في أي وقت وبحاجة إلى معاملة وانتظار لعاقل الحارة وأيضاً وقوف بالطابور لساعات للتدقيق في الهويات.

إجراءات الحصول على الغاز
منذ نحو أكثر من عام عمل الحوثيون في العاصمة صنعاء على احتكار بيع وتوزيع الغاز للمواطنين والمركبات عبر "شركة الغاز"، ومنع كل المستثمرين في هذا المجال، وأصبحوا هم المصدر الوحيد للحصول على الغاز، حيث كان متوفراً لدى محلات البيع ومحطات التعبئة وباستطاعة المواطنين الحصول عليه في أي وقت.
وللحصول على "أسطوانة غاز" يجب على كل مواطن ممارسة سلسلة إجراءات ومعاملة قد تطول أحياناً أسابيع، حيث يبدأ بتسجيل اسمه لدى المسؤول عن توزيع الغاز في الحي الذي يسكنه عبر الهوية الوطنية (البطاقة الشخصية)، لتسجيل البيانات كاملة، ومن ثم الانتظار حتى تصل حصة الحارة.
وقال فاروق في حديث لـ "يني يمن" أن الانتظار للحصول على الغاز يستمر أقل شيء أسبوعين وأحيانا تطول إلى شهر، وعندما يصل الغاز تنزل أسماء المستفيدين من الحصة وتسقط أسماء آخرين، وعلى حسب مزاج المسؤولين على التوزيع يتم ذلك والذين يبيعون الغاز في السوق السوداء.
وعندما تصل ناقلة الغاز إلى الحارة يتجمع كل سكان الحارة إلى جانبها رجال ونساء وأطفال، بأسطوانتهم الفارغة في طابور طويل ينتظرون لساعات، حيث يتم التدقيق في الأسماء بالهويات للمستفيدين الذين تم تسجيل أسمائهم مسبقاً، ولا يتم تسليم الغاز لأي شخص لم يسجل اسمه، حتى ولو كان من سكان الحي.
إذلال واستغلال للمواطنين
في وقت زحمة الناس وتدافعهم للحصول على الغاز، يصرخ المسؤول الحوثي "احترموا أنفسكم وترتبوا يا حيوانات"، وترتفع أصوات الناس ويتجمعون مرة أخرى بشكل عشوائي بخلاف الطابور المحدد، ومن ثم يتم إطلاق النار بالهواء لتخويف المواطنين المتجمعين ليعودوا إلى ترتيبهم من جديد.
في اللحظات الأخيرة لإكمال توزيع الحصة على المواطنين، يبقى الذين أسماؤهم ليست موجودة، يترجون المسؤول الحوثي الجالس على كرسي بجوار الناقلة، وتحاول إمراه خمسينية إثارة اهتمامه وتستعطفه بقولها "ان ابني قتل في جبهات الحوثيين" ومن ثم يتمتم برأسه مبدياً الرحمة لحالتها، ومن ثم تعاود التوسط لجارتها للحصول على أسطوانة غاز مثلها وتقول "هذه جارتي زوجها مريض فيه فشل كلوي" لكن هذه المرة يبدي غضبه فيصرخ للموزعين على متن الناقلة "لا تعطوا أحد اسمه ليس بالكشف".
وتتم عملية التوزيع للغاز إما عبر "عُقال الحارات" وقيادات حوثية وبإشراف من الأمن السياسي (جهاز مخابرات يديره الحوثيون)، حيث يرى معظم الناس أن الهدف من توزيع الغاز عبر الهويات عبارة عن عملية أمنية يعمل من خلالها الحوثيون تجميع بيانات وقاعدة معلومات عن السكان في عملية أمنية تستهدف المواطنين الغير موالين للجماعة.
ويفرض المسؤولون عن توزيع مبالغ مالية على المواطنين تتفاوت من حي إلى آخر فوق السعر الرسمي المعلن، والمحدد بـ 3000 ريال يمني (5 دولار امريكي) لأسطوانة تعبئتها 15 لتر فقط، لكن غالبتهم يتلاعبون بالكميات الموزعة لهم ويبيعونها في السوق السوداء بسعر مضاعف ثلاث مرات يصل إلى نحو 10,000 ريال يمني (17 دولار أمريكي).

تجارة رابحة للحوثيين
ومن خلال احتكار الحوثيين لبيع الغاز المنزلي على المواطنين استطاعوا تحقيق أرباح هائلة، وهو أيضاً هدف رئيسي لهم من خلال إقدامهم على هذه الخطوة وتثبيت تنفيذها، وإغلاق جميع محلات بيع الغاز ومحطات التعبئة المنتشرة في العاصمة صنعاء ما عدا بعضاً منها مهمتها تعبئة المركبات التي تعمل بالغاز فقط، ويمنع تعبئة اسطوانات الغاز.
كشف تقرير حكومي عن -غرفة الرقابة على نقل وتوزيع الغاز المنزلي في اليمن- أن أرباح الحوثيين من تجارة الغاز المنزلي واحتكاره خلال العام الماضي 2018، وصل نحو «77 مليار و865 مليون ريال يمني»، ما يعادل (129مليون دولار أمريكي) من خلال التلاعب بكميات الغاز المنزلي المخصصة للمناطق الخاضعة لسيطرتها، وبالأخص في العاصمة صنعاء.
ويتم توزيع "الغاز المنزلي" من محافظة مأرب ويباع بقيمة 1150 ريال (2 دولار أمريكي) لعبوة 20 لتر شاملة النقل، على أن يباع للمواطنين بقيمة 1500 ريال (3,5 دولار أمريكي)، بحسب تقرير حكومي. لكن الحوثيين يبيعونها بسعر مضاعف بحسب الإعلان الرسمي، بالإضافة إلى السوق السوداء التي يديرونها والتي تبيع بسعر سبعة أضعاف من السعر المفترض، وكان تقرير كشف عن أكثر من 800 سوق سوداء في العاصمة صنعاء تديرها قيادات نافذة في جماعة الحوثي.
ومنذ سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء وانقلابهم على الشرعية في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، عمدوا على نشر السوق السوداء في المشتقات النفطية من خلال قيادات نافذة تستفيد من الأرباح لتمويل الجبهات، وللإثراء الشخصي، حيث كشفت تقارير دولية عن شركات نفطية تأسست خلال الحرب تابعة لقيادات حوثية من الصف الأول.




التعليقات