اليمني ودبة الغاز

أسطوانة غاز وجالون بترول باتا أقصى أماني المواطن في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، ناهيك عن انعدام احتياجات الحياة الأساسية.

لا كهرباء، لا تعليم، لا صحة، لا خدمات، لا رواتب، ولا حتى نافذة أمل لإنهاء هذه المعاناة والمأساة التي حوّلت حياة اليمنيين إلى فصلٍ من فصول الجحيم.

في تقرير نشرته شركة الغاز بمأرب، بالأرقام والحقائق، تفضح افتعال الحوثيين صناعة الأزمات، وتضييق الخناق على المواطنين، حيث أكدت الشركة أن 55% من إنتاجها يذهب إلى مناطق سيطرة المليشيا، حيث تقدّر كمية الغاز التي تذهب إليها 14739 مقطورة غاز، أي ما يعادل 32 مليون أسطوانة، حيث يتم بيعها بسعر 1700 بالعملة القديمة، بينما تبيع المليشيا الأسطوانة الواحدة بـ6000 ريال، وفي السوق السوداء بـ12000 ألف ريال.

ولنتأمل الأرقام الفلكية، التي يجنيها الحوثيون من فارق سعر الغاز المنزلي، حيث نهبت المليشيا من المواطنين من أسطوانات الغاز ما يقارب 335 مليار ريال يمني عام 2021، لتمويل حربها، وعدوانها ضد اليمنيين.

كل ذلك يدعو إلى التساؤل: من أين كل هذا الثراء الفاحش لقيادات المليشيات الحوثية، من قصور وسيارات فارهة وأموال طائلة ومشاريع استثمارات عملاقة؟ لقد نهبوا كل مقدرات الدولة، ومواردها، وبنوكها، ولم يكتفوا بذلك، بل  سرقوا حتى الطعام من أفواه الجوعى، امتصوا كالبعوض دماء اليمنيين وقوتهم وحياتهم، لم يتركوا وسيلة إلا وسخّروها في نهب وسلب المواطن، تارة بالإتاوات والجبايات والضرائب والزكاة، وتارة بالترغيب والترهيب من أجل جمع التبرعات، لمجهودها الحربي المدمّر.

تعددت أساليب المليشيات في امتهان كرامة اليمنيين وإذلالهم، وعمدت بصورة ممنهجة على تجريف كل مظاهر الحياة، وبددت كل نافذة أمل لليمنيين نحو عودة الحياة إلى طبيعتها، وباتت طوابير السيارات وأسطوانات الغاز على امتداد شوارع العاصمة صنعاء وباقي المحافظات هي الصورة الأكثر انتشارا منذ ما يزيد عن شهر، حيث توقفت حركة السيارات، وتعطلّت حياة الناس ومصالحهم.

يحاصر الحوثيون اليمنيين في كل شيء، حيث تبدو خارطة الحياة منزوعة من كل حياة، فلا وجود لكل مقوِّمات العيش، فالحياة باتت معطّلة تماماً إلا جيوب الحوثيين، وأرصدتهم، وكروشهم، فهي مستمرة في التهام المزيد من قُوت اليمنيين، وفرص حياتهم، وصناعة مأساة تعيد الذاكرة إلى حقبة الإمامة السوداء، والعهد المتخم بالمجاعة، والبؤس والحرمان والقهر.

لطالما كانت صنعاء المدينة التي لا تنام، مليئة أسواقها بالحياة، مكتظة شوارعها، مزدحمة محالها التجارية، وحركة المواصلات التي لا تتوقف، لكنها اليوم مشلولة، وباتت رئة الحياة فيها متوقّفة، فشوارعها محاصرة بطوابير ممتدة بالسيارات، وأحياؤها مملوءة بأنابيب الغاز المنزلي الفارغة، كل ذلك للبحث عن أسطوانة غاز أو جالون بترول أو ديزل، بعد أن أوقفت المليشيا تدفق المشتقات النفطية، وقامت بحجز مئات الناقلات في الجوف والبيضاء والحديدة وتعز، تحت ذرائع واهية وحجج كاذبة بأنها غير مطابقة للمواصفات والمعايير المطلوبة، وتورّد إلى السوق السوداء، بينما الحقيقة أن تجار السوق السوداء هم قيادات المليشيا، وهم من يحتكرون المشتقات النفطية، ويتحكمون بنقاط بيعها.

لقد أسست قيادات المليشيات الحوثية الكثير من الشركات  الخاصة لاستيراد المشتقات النفطية، أبرزها شركة "يمن لايف"، تتبع الناطق باسم المليشيات، محمد عبدالسلام، وهي أكبر شركة لاستيراد النفط شركة "أويل برايمر"، التي تتبع القيادي في المليشيا وتاجر السلاح دغسان محمد دغسان، وشركة الذهب الأسود، وتتبع القيادي الحوثي علي قرشة، وافتعال هذه الأزمة من أجل اتخاذها ذريعة لتحميل المسؤولية الحكومة الشرعية، وخلق رأي عام وورقة ضغط أمام المجتمع الدولي، والسماح لتجار المليشيا استيراد النفط الإيراني عن طريق ميناء الحديدة، الذي يعتبر الرئة التي تتنفس منه المليشيات، وعبره تدخل شحنات الأسلحة ومعدات تصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

تظنّ المليشيا الحوثية أن  استمرار سياسة تجويع اليمنيين، وإرهابهم، وتركيعهم، وقهرهم بالحديد والنار، سيمكّنها من حكم اليمن والسيطرة عليه، لكنها تجهل أن هذا الفعل، وإن استمر لفترة محدود من الزمن، فإن سيناريوهات الانفجار قادمة لا محالة، وأن ثورة الجياع تطل برأسها ككابوس يرعب الحوثيين، ويفقدهم توازنهم، ويجعلهم تحت خيار السقوط المدوّي، وباتت أسباب الثورة ومسبباتها حاضرة أمام العيان.

يتذكر اليمنيون خطابات سيِّئ الكهف، وهو يحرّض على الدولة اليمنية، ويستنكر وصول سعر الأسطوانة الغاز إلى 1500 ريال، قبل نكبتهم المشئومة، بينما الآن وصل سعر الأسطوانة الغاز بين 20 ألف و30 ألف ريال، ويبقى الحصول عليها حلما.

"عجبت لمن لم لا يجد قوت يومه، ولا يخرج شاهراً سيفه"، لعلّ هذا الشعار الذي هتفت به المليشيات الحوثية، واقتحمت  فيه صنعاء، وأسقطت الدولة سيكون ذاته الذي سيكتب فصولها الأخيرة، وينهي مسيرة الخراب والدّمار التي جاءت بها، لقد زات المعاناة، وقلّت فرص النّجاة، وانعدمت أبسط مقوّمات الحياة، فانتظروا المصير المحتوم كنهاية طبيعية لعصابة سلالية كهنوتية لصوصية آثمة، كانت الأسوأ والأكثر فاشية بمسيرتها الطائفية العنصرية المصادمة لكل نواميس الكون وسنن وقوانين الحياة.

المصدر: بلقيس

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية